في زمن العتمة الذي يتمدد في القلوب ويحتل كل الفصول، في زمن القهر والتعذيب النفسي وجهًا ملطخًا بالهمجية البشرية، يشعر الكاتب بمسؤولية عظمى محاولًا بقلمه أن يواجه الطغيان الفكري من خلال أفكاره وكتاباته، يتطلع لنشر النور ويسعى لاستهداف العقول مستبسلًا في سبيل انتصار ثقافة السلام والمحبة والخير على العنف والاستبداد والقهر. فالمرأة العربية والرجل العربي على السواء يواجهان عنفًا منظمًا متنوع المشارب والمذاهب، تارة باسم الدين وتارة بإسم المبادئ وتارة بإسم التقاليد والخزعبلات الفكرية البالية. في حين أننا شعوب متعطشة للارتقاء في فضاءات الحرية والسلام والتعبير عن الذات، نحاول أن نمارس إنسانيتنا السمحة دون إنكسار أو احتلال فكري. لكن كيف لنا ذلك وهي مسجونة في زنزانات العنف والحروب والتسلط؟!
لهذا أكتب للطفل العربي مهما كان جنسه ليقاوم ويدافع عن مفاهيم الحرية والعدالة والإنسانية. لينبذ العنف والتطرف والعنصرية والهمجية. ليفهم أولًا أن هنالك حياة كريمة وحرة وأخلاق نبيلة أساسها الحب والتسامح والإيثار. وقبل أن يكون رجلًا أو أنثى هو إنسان، وله حقوق واضحة تحميه من العنف والذل والتشرد والغياب في دهاليز التخلف.
الكاتب لا يحمل قلمًا فقط! هو يحمل سلاحًا نوعيًا وبه يصنع جبهة قوية ومعززة فكريًا ضد أي عنف سواءً كان فكريًا أو نفسيًا أو جسديًا، فإنما الفكر السليم هو الدواء الذي يجب أن نقدمه وتتشربه عقول أطفالنا لنداوي العديد من الأمراض الاجتماعيّة المنتشرة حاليًا ومنها العنف الموجه ضد المرأة أو الطفل أو الإنسان بصورة عامة.
فلنتذكر أن نصف شعوبنا من الأطفال، فهل لنا أن نتخيل هذه الملايين من الأطفال عندما تكبر وتكون مؤثرة وقيادية تفهم وتعي وتبادر وتسعى في الخير والسلام وتفكر تفكيرًا سليمًا. ألا ما أجمل الغد وما أرقى الشعب وقتها!
إن الإنسان بطبيعته يتطلع إلى المعرفة، كما أن اللغة هي أداة البحث والخلق والإبتكار التي تشكل مجالًا لإثبات الطفل لوجوده كمبدع ومفكر، وكتب الأطفال تعتبر أحد الأدوات المهمة لتلبية هذه الحاجات للطفل، وقد كتبت أولى كتبي لأطفالي بداية كوسيلة لتحفيز الخيال لديهم وحثهم على التفكير والتساؤل. ولا زلت أكتب كأني أكتب لهم، إما لأوضح بطريقة غير مباشرة ماهية السلوكيات السليمة أو لأعزز مفاهيم فكرية هامة مثل التفكير الحر ونبذ العنصرية وتقبل الآخر والمبادرة والتفكير خارج الصندوق أو بقصد أن يستمتع القارئ بالقراءة ويضحك ويستشعر الأحداث بطريقة مسلية.
إن الكتابة للأطفال تعتبر أصعب أنواع الكتابة. فهي من النوع السهل الممتنع، حيث يجب أن تخضع لإعتبارات تربويّة وسيكولوجيّة، وأدبيّة وفنيّة. فهي نوع من التربيّة في الدرجة الأولى لما لها من دور كبير وفاعل في التأثير في فكر الأطفال، فالكاتب مرب قبل أن يكون كاتبًا ومؤلفًا، وعليه أن يجعل التربية تحتل مكان الصدارة في أي عملية موازية وذلك ضمن إطار قواعدها السليمة.
الطفل المعاصر في القرن العشرين أكثر نضوجًا من قبل، هو يبحث عن المعرفة والمعاني كما الكبار، حتى أن مسألة تحديد عمر البالغ أصبحت مسألة شائكة. لذا لا بد لأدب الطفل أن يغير خطابه وأن يواكب التغيرات والثورات الفكريّة القائمة التي بدلت من مفاهيم كثيرة اجتماعيّة وإنسانيّة، والعديد من إصداراتنا كسر مسألة لمن كتب هذا الكتاب! فالمفاهيم الإنسانية لا تستهدف طفلًا فقط، بل تستهدف الكبار أيضًا. تصلني رسائل عديدة من مربين وأهالي على سبيل المثال أكدوا لي أنهم استشعروا رسائل بعضًا من كتبنا كأنها موجه إليهم وقد مستهم بقوة، في حين أن الطفل استشعرها وتفهم رسالتها. إذًا لا بد لمن يكتب للطفل أن يحترم عقل الطفل ويقدم من خلال ما يكتب الإنسانية كإطار للتفكير ويعرف تمامًا أنه مسؤول عن إعادة هيكلة أو حتى بناء فكر مواجه للعنف بكل أشكاله.
يهمني من خلال كتاباتي أن تصل رسائل المحبة والخير لتحفز قادة الغد على الإبداع وحثهم على إحداث التطوير والتغيير والبناء والإيجابي في سبيل مستقبل سلام وعدالة وأمان. فما نفع الأدب إن لم يعملنا الحب!