بقلم: إدوار ثابت
يتحدث الكثيرون في هذه الأيام عن مشكلة الطفل الصغير الذي يلتقطُه رجلُُ وزوجته فيمنعان عنه التشرد أو على الأقل التشتت والتفكك ، فيربيانه ، ويتعهدانه بما ينميه ، ويغذيه، وينشئانه نشأةً لائقة ، بل ويضيفيان عليه من عطفهما وحنوهما كما لو أنه أبنهما الحقيقي . وبعد أن يبلغ الطفل سنوات قليلة ، يقبل عليهما من يقض مضجعهما ويؤلمهما ألماً شديداً ، فيسلبونه وينتزعونه منهما سلباً وأنتزاعاً لا يقلان عن أن يكون قهراً وعنفاً .
ولست في حاجة إلى أن أقص قصته ، فالأغلبية يعرفونها ويعرفون تفاصيلها ولكني سأقول عن ذلك أمرين ، قد يرى البعض أو يعتقد أن ليس بينهما أرتباط ، أما إذا تبصروا قليلاً سيدركون أن بينهما أشد الأرتباط .
أما الأمر الأول ، أتحدث فيه بعض الشئ عن فلسفة سقراط ..
تقوم هذه الفلسفة على قاعدة أو على حكمة هي الأساس الذي تقوم عليه وهي (أعرف نفسك) ولهذا فهي تنحصر في أن الإنسان يجهل نفسه ، وأن هذا الجهل جعله يلتمس المعرفة فيما يحيط به ، فإذا كان يجهل نفسه فهو لا يدرك الكثير . فكان من الحق عليه أن يدرس نفسه جيداً لآنه لا يستطيع أن يعلم أشياءً كثيرة قبل أن يفهم نفسه .
ومغرفة النفس ليست هينة ، بل هي عسيرة ، ورغم عسرها إذا أستطاع الإنسان أن يدرسها ويفهم ما بها سيرى أموراً كثيرة قد خفيت عنه أو تغاضي عنها أو فعلها مضطراً أو رغماً عنه أو أحياناً قهراً أو إزعاناً ، فيسعى إلى أن يحقق بذلك ما يوافق هذه النفس ويرفض ما يخالفها . ولذا فعليه أن يبحث عن خصالها وكوامنها ، ويبحث عما يوافقها ويخالفها من التقاليد الموروثة ، والنظم المقيدة ليحقق منفعة النفس ، أن النفس خُلقت صافية ولكن تتراكم عليها بعض هذه التقاليد والنظم التي يسلكها الإنسان فتطمس صفاءها . ومنفعة النفس هذه هي هي ما يُهتدى بها إلى الخير ، أي أن يكون الإنسان خيراً وعادلاً يتمسك بالحق ويطمئن إليه .
إذن هذه الفلسفة تقوم على معرفة النفس ، أي أن تكون إنسانية أي أن ترتكز على الأخلاق ، فإذا كان الإنسان يلتمس الخير ويتمسك بالحق وبالعدل ويطمئن إليهما ، بل وأن يكون ذا إنسانية يرتكز فيها على الإخلاق ، فلا يركن فقط إلى القانون الوضعي ، وإنما يلتزم – معه أو قبله أو بعده – القانون الإنساني وهذا ما لا يفعله إلا الحكماء .
أما الأمر الثاني الذي أراه يرتبط بهذه الفلسفة فهو أن أقول إلى هؤلاء : إلى من قرر سلب هذا الطفل، وإلى من سلبه ، وإلى من غير هويته ، وإلي من قرر وضعه مكاناً للأيتام ، بل إلى من حرمه من رؤية من ربياه ، أن يتخيل ولو للحظة صغيرة أن يكون مكان هذا الطفل ، وأن يشعر في تخيله بما يشعر به من إحباط وتخبط أحساسه الغض فيما يراه من حوله : هل يحتمل كل من هؤلاء ، بل هل يقبل ؟! وهل يرضى بل هل يوافق ؟! وإن كانوا قد فعلوا ما فعلوه مضطرين أو مجبرين ، قهراً أو أزعاناً .. هل يتغاضون أم يتوارون خجلاً وخزياً ؟!
ملحوظة : وألا يعرف هؤلاء أن ما فعلوه يؤثر على مكانة الدولة المصرية عند دول العالم ؟!.