بقلم: تيماء الجيوش
كان يوماً شتوياً دمشقياً في العام ٢٠٠٥و كان اللقاء برعاية منظمة محلية تُعنى بالمجتمع المدني إ ن صح التعبير. كما أن موضوع اللقاء الذي امتد على مدى الساعتين و النصف هو لنقاش معاهدة مناهضة العنف ضد المرأة و معاهدة حماية الطفل وبالرغم من اعتراضي على ان يتم الجمع بين هاتين المعاهدتين في لقاء سيكون اشبه بالمرور العابر دون ان يكون هناك بحث حقيقي و ذي جدوى إلا أنني ذهبت لأن من الهام معرفة ما يجري و هكذا كان. كان معظم حضور اللقاء من النساء و ممثلي المنظمات المحلية ، وقف راعي الاجتماع و هو أيضاً رئيس وفدٍ يُمّثلُ احدى المنظمات التي تُعنى بالمجتمع المدني ليخطب لساعةٍ و من زاوية واقعيته الاجتماعية الخاصة به عن مكارم الأخلاق في مجتمعاتنا ومآثرنا الاجتماعية و تفوقنا الحضاري و الأخلاقي و احترام القانون و كيف لنا ان نبني اللبنة الاجتماعية الجديدة عبر الاحترام وأن نأتي بما لم يأتي به احداً قبلاً، مفهوم جديد و تطبيق لحقوق المرأة يتماشى مع ثقافته الخاصة هو، ثقافة الإقصاء و التمييز ضد المرأة، و كان دوره كراعٍ من المفترض ان يكون شارحاً و مبرزاً و تنسيقياً عن حقوق المرأة و الطفل ، و مع امتداد حديثه هذا ، كان حزيناً و غير مفهوماً بل دعوني أقول ليس مفاجئاً حين وجدناه يغمز و يلمز لجهة الأخلاق و النساء و العمل في هذا المجال المرهق مع المسؤوليات المختلفة المناطة بالنساء في بلادنا و ان الذهاب بعيداً في المطالبة بالمساواة هو سقطة اخلاقية ليس لنا كعرباً ان نتبعها بل سيدمر مجتمعاتنا و أنه بخبرته يعلم تمام العلم ان المرأة ضمنياً في مجتمعاتنا الشرقية تود ان يتم إكرامها بعدم تعريضها لتحدياتٍ هي بغنى عنها و منها الضغوط السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ، عندما وجد ان كلماته المفرطة الدائرة في التقليدية الاجتماعية السلبية قد أخذته الى منحى ابتعد فيه كثيراً عن أهداف اللقاء الا و هو معاهدة مناهضة العنف ضد المرأة و معاهدة الطفل و بعد ان اثنى و بشدة على قوانين مجحفة بحق المرأة و هي واقعية اجتماعية و لا يفهمها الغرب من وجهة نظره مثل عمل المرأة و الطلاق و الجنسية و الحفاظ على النسب و زواج الصغيرات ، وجد أن باب هذا الجدل القانوني و الاخلاقي الذي طرقه بثقة لن يستطيع ان يصمد امام المنطق السليم و مبادئ العدالة البحتة و القيم الانسانية ، وأن ما يصدر عنه غير مترابط و لا يستقيم مع موضوع اللقاء فهو يُبرز محاسن التطبيق القانوني المحلي الذي يخترق المعايير المنصوص عليها في المعاهدات الدولية. وبالتالي لا يتفق مع أهداف أية منظمة ملتزمة فكراً و ممارسةً و تُعنى جدياً بالمجتمع المدني و حماية حقوق المرأة ، إستدار و دون تردد ليؤكد ان حقوق المرأة و الطفل و عمل المرأة في إطاره ليس من ثقافتنا بشيء. ثم في الثلث الأخير من حديثه أكد و بكل حماسة تجاوزت ما سبقها على أن النساء العاملات في حقل حقوق الانسان (على قلة عددهم في ذاك الوقت) ان يتحلينّ بنظرة و تحليلٍ لا يبتعد عن شرائط مستقرة قانونية واجتماعية في مجتمعنا و التي أوجدت توازناً هاماً برأيه و تجاوز ذلك ليأتي بأمثلةٍ واهية و ليحملهنّ مسؤولية مطلقة عن الأضرار المحتملة الوقوع و منها على قوله تدمير الأسرة و المجتمع. و عليهن ان يعُدن لجادة الصواب . انتهى حديثه بابتسامة رضا عن نفسه و قد اثنى عليه عدداً ممن يماثله في الأهداف من الحضور ،أي من هو معني بالحفاظ على الخذلان السياسي و الاجتماعي للمرأة .
لماذا اعود لهذا اللقاء تحديداً؟ ما الذي اود قوله؟
لأنه تناقض صارخ وواضح من ألفه الى يائه . و الأسوأ و الشواهد كثيرة انه مرت أربعة عشر عاماً و لازال ذات التناقض سائد فلا احترام للمرأة و حقوقها ، و دونيتها لا زالت كما هي مهما كانت مهنتها او ثقافتها.
من المفيد أن نذكُر و نُذكّر أن المساواة ،و دور القانون هم من اساسيات دعائم عملنا كعاملين في مجال حقوق الانسان و من الهام أيضاً الحياد فلا محاباة لدينا هناك ، أي ان تقف على مسافة متساوية من جميع الفرقاء و لا تتهاون في أي خرقٍ ينال من حقوق الانسان . هذا بالمبدأ و بالتطبيق.
تأتي النساء للعمل و الدفاع عن حقوق الانسان بما يعنيه بأبعاده من تحدٍ حقيقي للصورة النمطية للمرأة ، فهي تأتي لبناء إرثٍ جديد بعيد عن القولبة و المفاهيم الاجتماعية التقليدية السائدة و دورها كزوجة و أم ، هو في حقيقة الأمر تحدي للأدوار الجنسانية في المجتمع و المُعدّة لها مسبقاً. و في هذا هي مثل نساء كثيرات قي قطاعاتٍ مهنية مختلفة. وهذا يستتبع بالنتيجة أن البعض ممن لديه اعتبارات خاصة و مصالح تقتضي بإقصاء المرأة ، أن يتقدم بموقفه التمييزي ضد المرأة ، بل و يعدّهن خطراً على الثقافة و الشرف و الدين في العديد من الحالات و يحملهنّ المسؤولية المطلقة عن الأضرار حسب تعبيرهم. و هذا الأمر مفهوم للباحثين و المعنيين بالموضوع النسوي. فما دامت المرأة تُشّكل نصف المجتمع فإن إقصاؤها يعني سيطرةً سياسية و اجتماعية و اقتصادية هامة و نسبة» عالية يُعتدُ بها مهمشة غير فاعلة. في عدة لقاءات سابقة في مدن عربية مختلفة و على مدى العقدين الماضيين تحديداً ، أبرز هذا البعض مهاراته في التهميش و الإقصاء للمرأة ما يندى له الجبين.
ما يمكن ان نضيفه على عمل المرأة المدافعة عن حقوق الانسان في العالم العربي عموماً هو في استهدافها أكثر من الرجل لكونها امرأة أولاً لا سيما في المجتمعات التقليدية المحافظة التي تطغى بها الذكورية فيكون من السهل استخدام النوع الاجتماعي للهجوم. يعني غالباً ما يتم استخدام العامل الاجتماعي و الموروث الثقافي في منع المرأة من ممارسة حقوقها و تكريس العنف ضدها و بهذا يكون الاستهداف سياسي/ اجتماعي.
المفارقة الأشد وجعاً التي تتأتى من حيث النتيجة ان المرأة في دفاعها عن ضحايا حقوق الانسان ، تُتنهك حقوقها و تكون أيضاً ضحية لعنفٍ مزدوج سياسي و اجتماعي ، بمعنى ليس اضطهاداً سياسياً من قبل السلطة فقط ، بل اجتماعياً يستغل شرائط معينة كالتخلف و الجهل .المرأة التي تدعو للمساواة بين الجنسين و تقوم بالرصد و العمل على الدفاع عن حقوق الانسان و تعمل بلا هوادة من اجل تمكين المرأة من ممارسة حقوقها ، تجد بالمقابل ان هناك من ينتهك حقوقها هي و التي نصت عليها معاهدة مناهضة العنف ضد المرأة و غيرها من العهود و المواثيق الدولية ، فلا ضمانات هناك لحماية و تعزيز حقوق المرأة المحامية / المدافعة فهي عرضة للانتهاكات التي تبدأ من العنف الجنسي ، الى الايذاء الجسدي ، و الاعتقال ، الى المحاكمة ، الى منع السفر ، الى الضغوط المختلفة بما فيها نشر الشائعات و الأكاذيب و غالباً ما تستند الى الدين و الجنس و التي تجد أرضاً خصبة لها في مجتمعٍ تخلف عن ركب الحضارة و غرق في جهلٍ لا حدود له مخترقة بذلك كل المعايير الدولية لاحترام حقوق الانسان لا سيما تلك التي تؤكد على رفع و تعزيز سوية الوعي العام و سواء كان هذا في ظل سلمٍ او حربٍ او ثورة او تغييرٍ للسلطة.
هل من الصعوبة بمكان ان تمارس المرأة عملها و تدين انتهاكات حقوق الانسان دون ان تُنتهك كرامتُها و ينالها انتقام من هذا الفريق او ذاك؟ تحرش اعتداء بكل درجاته ، و تشهير لا يهادن . انتهاكٍ ممنهج و مستمر يطال حياتها الشخصية و العائلية بل و أمنها الشخصي . اين هذا من حق المرأة في الأمن الشخصي و السلامة الجسدية و النفسية؟؟ او التحريض؟؟ أين هذا من من الالتزام القانوني و الدستوري بالعهود و المواثيق الدولية؟؟
جاءت داعش و أشباهها لتصفق وجه الانسانية و مجتمعاتنا العربية علو وجه الخصوص ، جاءت مستفيدة و بكل صفاقة من انحطاط الوعي العام و التخلف و الشرائط الاجتماعية و لن أذهب بعيداً بالقول بأن هذه المجموعات استفادت و بالمُطلق من دونية المرأة لم تختلف بذلك عن نهج و ممارسات أية سلطة شمولية او نظام عفا عليها الزمن فكلاهما يستثمر عدم المساواة و العنف ضد المرأة.
احترموا نسائكم العاملات في الدفاع عن حقوق الانسان و كفاكم اضطهاداً لهن ، فنحن لا زلنا كما نحن حفيدات زنوبيا و بلقيس و آسية و الخنساء و هند بنت عتبة و هدى شعراوي و ماري عجمي، و ارفعوا سوية الوعي العام ، دافعوا عن حقوق الانسان و حقوق المرأة كجزءٍ من حقوق الانسان. حاولوا لمرةٍ ان تنظروا خلف السور .