بقلم: تيماء الجيوش
بالتعريف و وفقاً للقانون الدولي اختطاف الأطفال على أيدي أحد الوالدين هو: «انتزاع حضانة طفل دون وجه حق يقوم بها أحد أقربائه (عادةً الوالدين) دون توافق بين الوالدين وبما يتنافى مع أحكام قانون الأسرة، والذي يقضي بحرمان الوالد الآخر من رعاية الطفل أو الوصول إليه أو الاتصال به.» انتهى التعريف
و بادئ ذي بدء فإن انتقال الاطفال او سفرهم مع ابويهم او احدهما هو أمر قانوني تماماً و من الاعتيادي ان يحدث هذا لأسباب مختلفة في كل أسرة. لكن قوانين الدول التي تحترم حقوق الانسان عامةً و حقوق الطفل و حقوق المرأة خاصةً تعتبر هذا الانتقال خرقاً قانونياً بل و خرقاً لأحكام حضانة الطفل ، إن وقع بقيام احد الابوين باخذ الطفل عنوةً و السفر به ، و من ثم عدم اعادته الى مكان اقامته المستمرة، و ذلك دون موافقة الطرف الاخر . اعتمدت الاسرة الدولية هذا التعريف و بات نقل الطفل جغرافياً من بلدٍ الى بلدٍ اخر في التشريعات المدنية المحلية للدول الاطراف الموقعة على «اتفاقية لاهاي لخطف الاطفال للعام ١٩٨٠ «. هو انتقال غير مشروع بل و تعّرفه قانوناً و بدقة بأنه خطف طفل إن لم تتوفر موافقة المحكمة عليه او إذا لم تتوافر شروط الاتفاق بين الابوين و التقاء ارادة الطرفين على هذا الانتقال فالأساس القانوني هو الحضانة المشتركة للطفل و لكلٍ من الابوين على درجةٍ واحدة. على الجهة المقابلة و بالعموم فمعظم البلدان العربية لم توقع على اتفاقية لاهاي و بالتالي لا يُنظر لهذا الامر على أنه خطف في التشريعات العربية إن تم من قبل الاب على اعتبار أن سن الحضانة وإن تفاوت فالطفل سيعود لأبيه عند سنٍ معينة ومعظمنا يعلم انها تتفاوت من بلدٍ عربي الى اخر. ناهيك عن أن الولاية و بموجب معظم قوانين الاحوال الشخصية معقودةً للأب حصراً. زد على ذلك ان الاختصاص القانوني يُعقد للمحاكم العربية و ليس للدولة التي كانت اخر مكاناً لإقامة الطفل ، كأن يكون الاب من احدى الدول العربية و ان تكون الام و الطفل كذلك و بذات الوقت يتمتعون جميعاً بالإقامة او الجنسية لبلدٍ اخر اي انهم كعائلة ثنائيي الجنسية، سوري – كندي او لبناني- كندي او يمني -كندي. بالمجمل يعلم الشّراع بأن جريمة خطف الطفل تقع عندما تنحرف مسارات الطلاق الى صورٍ بائسة. هذه الجريمة على بشاعتها تُلقي بنتائجها السلبية و بشكلٍ مباشر على الاطفال أولاً، و تبرز كنتيجة اولية لها مسائل قانونية شائكة مثل تعدد صلاحية الدول القانونية، الولاية و حضانة الاطفال التي تتطلب الكثير من الوقت و الحكمة و الروية لتجاوز الطلاق المؤلم و الحفاظ بالدرجة الاولى على مصالح الطفل الفضلى و كيفية حفظ التوازن النفسي و الاجتماعي في ظل وضعٍ و ظرفٍ قاس ٍ. و بالعودة لاتفاقية لاهاي و الانتقال غير المشروع للطفل او الاختطاف
Convention of 25 October 1980 on the Civil Aspects of International Child Abduction.
فالاختصاص القانوني يعود لمحاكم موطن الاستقرار . حيث اعتبرت المادة ٣ ان احتجاز او نقل الطفل المحضون غير مشروع في حال :
١- إذا كان الفعل يُشكلُ انتهاكاً لحقوق الحضانة الممنوحة لشخص او مؤسسة او هيئة بشكلٍ مشترك او فردي و الذي ينص على ان قانون الدولة التي ينتمي او كان مقيىماً فيها الطفل بصفة اعتيادية مباشرة قبل نقله او احتجازه.
٢- إذا كانت هذه الحقوق قد مورست فعلياً وقت النقل اًو الاحتجاز سواء بشكل مشترك او فردي.
ثم اردفت الاتفاقية في مواد متفرقة على اتخاذ كافة الاجراءات القانونية و الادارية التي من شانها اعادة الطفل المختطف من قبل الدولة التي يتواجد بها الطفل. موضوع المقال هنا لا يبتعد كثيرا عن حقوق المرأة بل هو من صلب حقوقها و ماهية هذه الحقوق و ممارستها لها في ظل معظم التشريعات العربية المختلفة ، إن لم نقول أنه في بعض الحالات عنف مزدوج ضدها وضد اطفالها. و لا نجافي الحقيقة إن قيل بأن خطف الاطفال :
١- يُعدُّ مؤشراً على مؤسسة الزواج ، من يمارس دور السلطة فيه بشكلٍ مطلق و بحمايةٍ قانونية -اجتماعية .
٢- بأنه مؤشر حقيقي على انتهاك حقوق الطفل و بصمتٍ لا يُفسّر.
٣- خرق حقوق المرأة و ممارسة العنف القانوني ضدها ، حجمه و آليات النيل من حقوقٍ أساسية للمرأة يُفترض أنها مُصانة دستورياً .
٤- عدم الالتزام بالمعاهدات الدولية التي قامت الحكومات بالتوقيع و التصديق عليها ومنها اتفاقية حقوق الطفل و اتفاقية مناهضة العنف ضد المرأة .
و هذا تحديداً باختصار يعني أن الأمر لم يعُد مسألة تشريعٍ محلي أو لمن هو الاختصاص لهذه المحكمة ام تلك، بل هو التزام دولي و احترام لحقوق الانسان ، الطفل، المرأة . و هذا قد يُبرز جزءاً من الاجابة على ما تقدم.
الفقه الدولي لم يتردد كثيراً في التوصيف القانوني ، انتقال الاطفال غير المشروع او الخطف هو جريمة يرتكبها احد الابوين . ولها عقوبات جزائية و مدنية ، و بعض الارقام غير الرسمية أبرزت نسبة ارتكاب هذه الجريمة من قبل الاب اعلى من نسبة الام .. من يقوم بفعل الخطف في معظم الدول العربية يعلم تماماً انه لن يناله نائل جزائياً او مدنياً او شرعياً ما دام في ظل قانونه المحلي محمياً بالمُطلق ، مما يجعل ملاحقته القانونية أمراً شبه مستحيل، كما أن التشريع المحلي لا يعزز مواقع المرأة القانونية بنصوص الحضانة مما يلغي أي أملٍ بالتعاون مع المؤسسات القانونية بهدف عودة الاطفال المختطفين . وتبقى الخلافات الاسرية تتقاذف مصير طفلٍ شاءت الصدفة أن تُنتهك حقوقه و أن يكون محل نزاعٍ ضرير و خلافٍ شخصي في دعاوى الطلاق التي تقع تحت مظلة الجنسيات المختلفة او الثنائية. التوقيع على اتفاقية لاهاي و احترام القانون الدولي من ناحية و تماشي التشريع المحلي مع القانون الدولي و احترام نصوصه هو حماية للطفل و التزام جوهري بروح ونص المعاهدات المتعددة لحقوق الانسان. في إطار عملي كمحامية و باحثة في حقوق انسان و مناهضة العنف ضد المرأة كانت هذه الدعاوى و لازالت بالغة التعقيد القانوني ، التعامل مع قوانين عدة دول بالاضافة للقانون الدولي . ربما ما يحضرني منها الان عندما جاءت أمٌ منذ سنين خلت الى مكتبي غاضبة و متعبة اخبرتني ان طليقها احضر اطفالها الثلاثة بحجة زيارة الاهل ليقوم بعدها بابقائهم و عدم العودة الى بلد الاغتراب بالرغم من اعتراضها المتكرر و عدم موافقتها ، قام بوضع منع سفر عل صحيفتهم و قام بتطليقها و هو يعلم ان احد اطفاله يعاني من مرض السكر و انها تتابع تعليمها الجامعي و لا يمكنها التغيب ولا يمكنها الابتعاد عن اطفالها لا سيما المريض منهم . كانت تعلم يقيناً ان لا قانون هناك في بلدها الام لحمايتها و حماية اطفالها ، كانت تعلم ان عليها كإمرأة ان تبذل الجهد مضاعفاً كي تحصل على ما هو حقاً لها .
و لا زالت هذه الامثلة تتكرر مع نساءٍ اخريات تقاطعت دروبنا و كان لي الشرف ان اشهد امهاتٍ شجاعات يقاتلن كي يستعدن ابنائهن من الخطف .
منهن جولي بيمباشي و سالي و شيللي Shelley Beyak, Jolly Bimbashi and Sally
قامت العديد من الجهات الاعلامية بالبحث في قضية خطف اطفالهن. وهذا الرابط لمن يود :
https://www.google.ca/amp/s/www.cbc.ca/amp/1.4871452
القوانين المدنية جوهرها العدل و هو لا يُقام حقاً بانتهاك حقوق الطفل و دفعه الى دائرة الخوف و الابتعاد بالطفل عن احد ابويه و بقوة القانون الذي لا يتماشى و شرائط الحياة الاجتماعية الاقتصادية المعاصرة . التشريع الحداثي لا يتعاطى مع المرأة بدونيةٍ مستترة احياناً و واضحةً للعيان في احيانٍ كثيرة بل هو متوازن و قائم على المساواة و احترام الكرامة الانسانية . العنف القانوني لم يعُد مبرراً بل مولداً للاحتقان الاجتماعي و الثقافي و بشكلٍ يندى له الجبين. بانتظار غدٍ خالٍ من انتهاكات الحقوق و خالٍ من العنف..
اسبوع سعيد لكم جميعاً