بقلم/ أسماء أبو بكر
ترددت كثيرًا قبل كتابة هذا المقال؛ لأنه بالتأكيد معرفة ما يدور في عقل زعيم العالم وبلاد العم سام أمرٌ في غاية الخطورة؛فتصريحاته مثيرة للغثيان وتصرفاته غريبة ، وقراراته أغرب منها بكثير، ومقالي هذا مجرد محاولة واضحة للوصول إلى ما يدور في خلده وعقله نحو العالم ..
سنبني جدارًا على حدودنا مع المكسيك، وسنجبرهم على دفع تكلفة البناء!! هكذا بدأ الرئيس «ترامب» خطبه الدعائية أثناء فترة ترشحه لرئاسة «الولايات المتحدة الأمريكية» ومن يدري؟! ربما ظن الكثيرون أنها مجرد خطب رنانة فقط ؛ وأنه يثرثر من أجل جذب أنظار الجماهير، لكنه في حقيقة الأمر كان واعيًا لما يقوله في خطبه منذ بداية ترشحه للرئاسة؛ فدائما كان يردد شعاره الذي يشبه صافرة الكلب «أمريكا أولًا» مقدمًا مصلحته الشخصية فقط على الجميع، وهذا ليس شيئًا جديدًا على الإطلاق..
ومع صعود ترامب تغيرت معظم المفاهيم التي ظلت عالقة في أذهان الكثيرين عن الولايات المتحدة، وعن الحلم الأمريكي الذي ما زال يطارد أسماعنا،بالتأكيد الشديد هو الذي وضع» الولايات المتحدة الأمريكية في منزلةٍ عالية؛ فهي أرض الأحلام والفرص، وفيها تتحقق العدالة الإنسانية، ومن خلالها تستطيع أن تصعد سلم المجد، وتحقق أهدافك التى تصبو إليها، هكذا ظلت أمريكا تنشر صورتها في شتى بقاع الأرض، ولكن في الآونة الأخيرة أصبح هذا الحلم مهددًا على يد آخر زعماء الولايات المتحدة الأمريكية ؛إنه الزعيم الأكبر لهم « دونالد ترامب» بكل صراحة ووضوح أرى أنه يستحق بلا منافس أن يحصل على لقب «الرئيس الأغرب في العالم » فكلماته العنصرية، وسياسته التي تحمل في طياتها الكثير من السلبيات، وقراراته الغريبة وتصريحاته المثيرة التى تصدر بين الحين والآخر ، كل ذلك ينذر بخطرٍ قريب جدًا، فلم يكتفِ بتنفيذ جملته التي استهللت بها مقالى، ولكنه بدأ في تنفيذ سياسات أخرى عنيفة وقاسية ضد المهاجرين إلى» الولايات المتحدة « وصار يخاطب معارضيه بلهجة صاحب الدار وهم النزلاء غير المرغوب فيهم؛ فقد أصبح الأمر مخيبًا بما فيه الكفاية.
في الحقيقة لم تلتفت أنظار الرئيس ترامب فقط إلى المهاجرين، لكنه سلط الضوء أيضًا على كل مواطن يراه مختلفًا مع توجهاته وميوله الشخصية، فقد يكون ذلك بسبب لونه، أو دينه، أو عرقه؛ بات يحاكم الجميع وفقًا لرأيه الشخصي فقط، وكأنه ملك البلاد والعباد، ولم يخجل أبدًا من الإعلان عن نواياه أمام الملأ؛ فقد وجد أرضًا خصبةً لذلك في نفوس أتباعه، وخاصة أولئك الذين يتبنون مواقف عنصرية. . أما بالنسبة لما يحدث مع النائبتين في الكونجرس الأمريكي فهو خير دليلٍ على ذلك ؛ «فإلهان عمر» المواطنة الأمريكية ذات الأصول الصومالية، والتي تشغل حاليًا منصب نائب في» الكونجرس الأمريكي»، لم تسلم من تصريحات ترامب؛ الذي خاطبها بلهجةٍ عنيفة في مواقف عديدة، والتي جعلت جماعة من أتباع الرئيس يهتفوا ضدها بالعودة إلى وطنها الأصلى ،والنائبة الثانية التي تنحدر من جذور فلسطينية؛ لم تسلم هى الأخرى من تصريحات ترامب؛ الذي تدخل بصورةٍ غير مباشرة للتأثير على القرار الإسرائيلي بشأن زيارة «رشيدة طليب» للأراضي المحتلة.
ربما كان كل ما ذكرته مجرد إرهاصات لسياسة ستؤثر بشكلٍ أو بآخر على مستقبل الحلم الأمريكي؛ الذي يسعى إليه الكثيرون حول العالم؛ فأمريكا تعد الجهة الأكثر طلبًا للهجرة؛ طمعًا في حياةٍ كريمة، ومستقبلٍ مشرق، لكن مع إدارة الرئيس ترامب انقلب الأمر رأسًا على عقب، بهذه الصراعات التي بدأت تظهر بصورةٍ واضحة، ربما ستجعل الراغبين في الهجرة يفكرون كثيرا قبل الإقدام على الذهاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ فأرض الأحلام لم تعد كسابق عهدها، والوطن الذي كان يفتح أبوابه للجميع، بات ينتقي من يشاء لنيل شرف الإقامة في بلاد الحرية، هكذا زين ترامب لأتباعه حلمًا جديدًا، أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية، وطنًا للمبدعين فقط، أما الفقراء ،أو أصحاب الأحلام والطموحات، أو من يرى أنهم غير صالحين؛ فلا مكان لهم في أمريكا ترامب؛ التي لا تتسع سوى لأصحاب المواهب، والثروات، ومن دون ذلك فلا بواكي لهم فيها..
الأغرب من كل هذا أنه بدأ يظهر ذلك على الملأ دون خجل؛ فمنذ أيامٍ قليلة أعلنت إدارة ترامب عن لائحة جديدة تُعني بإقامة المهاجرين الجدد؛ والتي تُحدد بناءً على وضعهم المادي؛ إذ أن اللائحة من المقرر تطبيقها في منتصف أكتوبر المقبل، تنص اللائحة أن طلبات الإقامة المؤقتة أو الدائمة التي يقدمها من لا يستوفون المعايير سترفض على الفور، والمعايير التي حددها واضعو اللائحة تتعلق بمستوى الدخل؛ فمن يتلقون مساعدات من الدولة، مثل: الدعم المادي، والإسكان العام، والمساعدات الطبية..وبإيجازٍ شديد على المهاجرين أن يحققوا الاكتفاء الذاتي ولا يعتمدوا على موارد الدولة ..
ربما ينظر البعض إلى هذا القرار نظرةً إيجابية؛ فالدولة تسعى لتوفير حياة كريمة لمواطنيها، وصرف الضرائب فيما يعود بالنفع عليهم، ولا يجب أن يستوي في ذلك من لا يقدم نفعًا للمجتمع، ولكن هناك عدد لا بأس به من طالبي الهجرة، يفرون من الموت طلبًا لحياة كريمة، وهربا من أوطانهم التى باتت كوحوش ضارية؛ لا يفلت أحدٌ من فكيها؛ فلماذا لم تنظر إليهم إدارة ترامب بعين الرحمة ؟!
الأمر الذي بات مقلقًا للجميع، ودفع بعض منظمات حقوق المهاجرين لانتقاد بنود هذه اللائحة ووصفوها أنها أقسى إجراءات إدارة ترامب في إطار السياسة المناهضة للمهاجرين التي يتبناها الرئيس ترامب منذ توليه الحكم،فالخطر الحقيقي لا يهدد فقط الراغبين في دخول الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن يهدد حوالي 22 مليون شخص على أراضي أمريكا، هم المهاجرون الشرعيون المقيمون دون الحصول على جنسية، وبالتأكيد ستؤثر عليهم اللائحة الجديدة تأثيرًا سلبيًا، ويظهر ذلك جليًا عند تمديد إقامتهم.
أعتقد أن إدارة ترامب إذا تمادت في التشديد على المهاجرين؛ فلن يكون الضرر على راغبي الهجرة فقط؛ فالأرض بلا ناسٍ يعمروها خرابٌ لا قيمة لها، وأمريكا ما قامت إلا على أكتاف المهاجرين، شأنها في ذلك شان الكثير من البلدان الناشئة الحديثة؛ فسياسة ترامب ستجعل الدول ذات النظرة العقلانية تيسر باب الهجرة للراغبين لتستفيد من الأيدي الماهرة، وتوظيف المزيد من الموارد البشرية، وألمانيا خير مثالٍ على ذلك؛ فبحكمة قيادتها فتحت أبوابها أمام المهاجرين، ومازالت تنظر إليهم بعين الإعتبار على الرغم من وجود معارضة، ووجود بعض السلبيات التي سببتها الهجرة، لكن يبقى الجانب الإيجابي صاحب الكفة الراجحة..
خلاصة الأمر ..مستقبل الحلم الأمريكي؛ أعتقد انه سيختفي في الفترة القادمة؛ فأمريكا على الرغم من أنها تحتاج إلى المهاجرين؛ فمساحتها الكبيرة ما زالت في أمس الحاجة إلى الموارد البشرية، لكن إدارة ترامب تنظر من ناحيتها فقط، وكأنها بذلك تكسب ود أولئك المناهضين للمهاجرين، وربما يجدد ذلك ثوران بركان العنصرية ضد العرقيات الأخرى من غير البيض، وسيصير الأمر أكثرَ وضوحًا في الأيام المقبلة ،وبذلك فإن الحديث عن ترامب ودوره فى تحديد مصير الحلم الأمريكى يطول ومن الصعب أن يُكتب له كلمة نهاية..