بقلم المهندس: هيثم السباعي
تذكير: لا تهدف هذه الدراسة الطويلة نسبياً إلى تخوين أوإتهام أحد بالمسؤولية عن ماحدث ويحدث في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي عامة وسورية خاصة. ولكنها تهدف إلى إلقاء نظرة موضوعية عن أسباب هذه الأزمات وتطورها المستمر حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من تدهور وتفرقة وتمزق شمل جزءاً كبيراً من العالم العربي.
خلاصة الجزءالسابق (رقم ٦):
تحدثنا في العدد السابق عن أهم خصائص العهد العثماني؛ كما قرأنا في سياق المقالات السابقة أن الصراع والتدخل في شؤون المنطقة بدأ في بواكير العهد العثماني، وتحديداً في النصف الثاني من القرن السادس عشر. كالعادة كانت الدبلوماسية البريطانيا أول من شعر بضرورة عمل شيء ما من قبل الدول الإستعمارية للسيطرة على المنطقة. بناء على ذلك، قام رئيس وزرائها “كامبل بانيرمان” في عام ١٩٠٧ بتشكيل لجنة خبراء في عدة حقول، من بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا، مهمتها دراسة أحوال الدول الأوروبية، خاصة الإستعمارية منها، والتي قاربت حسب رأيه حافة الزوال. وكانت نتيجة تقرير تلك اللجنه أن الخطر الأهم في سرعة زوال دولهم يكمن في العالم العربي، الذي يقطنه أناس يتكلمون لغة واحدة، وغالبيتهم يدينون بديانة واحدة، وأراضيهم تحتوي على كميات هائلة من الموارد الطبيعية المتنوعة ولا يفصل بينهم فاصل جغرافي، وقد بدأوا يصحون من سبات طال أمده، ولا يحتاجون إلا إلى قيادة قوية حكيمة ليقيموا دولة قوية على أهم بقاع الأرض استراتيجياً والتي ستتمدد بعدها حكماً باتجاه أوروبا.
اللافت بتشكيل هذه اللجنه عدم توجيه دعوة مماثله لالمانيا لاسباب لم اتمكن من معرفتها ولكن هذا الغياب لا يمكن تفسيره إلا باعتبارها، منذ ذلك الحين، وكأنها دوله ‘تغرد’ خارج السرب الاوروبي وبالتالي عزلها عنه.
أوصت اللجنة بالإجراءات التالية:
١. العمل المستمر على تفتيت وتفريق وتقسيم هؤلاء العرب.
٢. تأسيس كيانات مصطنعة تكون تحت سيطرة الدول الإستعمارية.
٣. محاربة أي نوع من أنواع الوحدة بينهم، سواء كانت جغرافية أو ثقافية أو دينية أو تاريخية والعمل على تقسيم المناطق المأهولة من أراضيهم.
٤. لإتمام ذلك (ما جاء في الفقرة ٣) اقتُرِح أن تؤسَّس في فلسطين دولة “فاصلة” مأهولة من أناس غرباء أقوياء، معادين لجيرانهم ، أصدقاء للدول الأوروربية، حريصون على مصالحها.
وهكذا كانت إتفاقية سايكس – پيكو، ووعد بلفور ثم قيام دولة إسرائيل،. أما لماذا اختاروا فلسطين بالتحديد؟؟؟؟ فلأنها تشكل فاصلاً جغرافياً كاملاً بين عرب آسيا وعرب أفريقيا. وسنرى فيما بعد أن الولايات المتحدة الأميريكيه تبنت توصيات تلك اللجنه بعد خروجها من الحرب العالمية الثانية كأقوى إمبراطورية عسكرية في التاريخ وبدأت بملئ الفراغات التي تركها إنسحاب الدول الإستعمارية التقليدية من الدول المُسْتَعْمَرَة التي خرجت من الحرب بإقتصادات شبه منهارة.
مما لاشك فيه أن الولايات المتحدة الأميريكية قائدة الدول الغربية التي لا يمكنها الخروج عن طاعتها خاصة في الشؤون الخارجية، وبالتالي تعتبر اللاعب والمقرر الرئيسي بمصير سورية، منذ اليوم الأول لبداية الحراك.
لهذا السبب سأحاول تقسيم العدد القادم إلى قسمين. الأول يتضمن مصالح الولايات المتحدة في سورية والقسم الثاني ماهي أهدافها النهائية فيها والقرارت والإجراءات التي اتخذتها لتحقيقها، حسب مراكز الدراسات والأبحاث والمستشارين السياسيين والإستراتيجيين الذين يزودون الإدارات عامة وإدارتي أوباما وترامپ خاصة بالأفكار والخطط السياسية والاستراتيجية بالنسبة للموضوع السوري.
من الجدير بالذكر، أنه تزامن مع انتشار التيارات الفكرية القومية في الغرب صعود الأحزاب الإيديولوجية في سورية مع بداية الإستقلال في منتصف أربعينيات القرن الماضي كحزب البعث والقومي الإجتماعي السوري والحزب الشيوعي التي بدأت صراعات إيديولوجية بين بعضها البعض من جهة ومع جماعة (حزب) الإخوان المسلمين، من جهة أخرى. “ولقد اتسم سلوك ونشاط تلك الأحزاب الإيديولوجية بالعقلية الدوغمائيه……ونظر كل حزب إلى الحزب الآخر كمنافس على اكتساب ثقة الشعب وكعدو. “هذه العقلية المحدودة أوصلتنا إلى مانحن فيه لأن خلافاتها كانت ضد مصلحة الوطن، عن غير قصد، بدلاً من الإتفاق على تداول السلطه والعمل على مصلحته لكان”ربما الوضع مختلف.”
ساجاول انهاء سلسلة المقالات هذه في العدد القادم مع ذكر بعض النصائح المقتبسة وفي نهايته أذكر أهم المراجع التي استقيت منها المعلومات التي نقلتها لكم