بقلم : شريف رفعت
يحث الخطى سيرا و هو يحمل الصندوق، الصندوق كبير نسبيا يضطر أن يلف ذراعيه حوله كي يتمكن من حمله، كان يتمنى لو كان للصندوق يدا يحمله منها، لكن في غياب ما يسهل حمل الصندوق منه يضطر أن يضمه لصدره، يحتضنه و يسير به. ترى ماذا يقول المارة عن صندوقه و عنه. عموما رأيهم لا يهم، يتذكر عندما خرج هذا الصباح حاملا الصندوق أبوه ربت على كتفه بحنان و أوصاه بالحفاظ على الصندوق، أمه رفعت يديها للسماء و دعت له و حـَلـَفـَتـْه أن يهتم بالصندوق و ألا يفرط فيه. يستمر في السير يشعر أن الصندوق يزداد ثقلا فيحتضنه بقوة أكبر. يصل لمفترق الطرق، يتردد لحظة، أي طريق يجب أن يسلك، لا يستمر تردده طويلا، بوحي من الصندوق يختار الطريق المناسب، يستمر في السير و قي إحتضان الصندوق، كما لو كان هناك شيءً عضويا يربط الصندوق بجسده، كما لو كان الصندوق قد أصبح إمتداد للجسد.
يحث الخطى، يقترب منه رجل طويل عريض يبتسم له، يسير بجواره، يعرض عليه أن يحمل عنه الصندوق، يتذكر صاحبنا نصيحة والديه، يرفض عرض الرجل الذي يستمر في السير بجواره و الإلحاح عليه
ـ أحمل عنك الصندوق مجانا، لن أطالبك بأجر، سأوصلك إلى حيث تريد و أوفر عليك تعبك و مجهودك.
يشكره بحزم و ضيق، يستمر الرجل في السير بجواره و يستمر في الإلحاح، يستمر هو في تجاهله. أخيرا ييأس الرجل و يختفي.
يسير لعدة دقائق فتقابله إمرأة حسناء، تعترض طريقه، تقول له باسمة بغواية:
ـ أود أن أشتري هذا الصندوق.
يندهش، فهي لا تعرف ماذا بداخله، يقول لها بلهجة مؤدبة حاسمة:
ـ إنه ليس للبيع سيدتي.
ترد عليه و هي مازالت تبتسم:
ـ أي شيء في العالم للبيع إذا عرض فيه الثمن المجزي، أنا مستعدة أن أدفع لك ما تريد، قل ما ثمنه؟
ـ ليس للبيع.
تستمر في السير بجواره، تلح عليه:
ـ مجرد أذكر الثمن.
ـ سيدتي قلت لك أنه ليس للبيع.
إختفت إبتسامتها، قالت له بلهجة محذرة:
ـ قد تندم إذا لم تبعه لي.
يتجاهل عبارتها و يستمر في السير حثيثا. توقفت عن متابعته و قالت:
ـ سوف تندم.
رجل ضخم شرس الملامح يتبعه إثنان لا يقلان عنه ضخامة و لا شراسة يعترض طريقه، يبادره:
ـ نحن شرطة، إعطنا الصندوق.
أجاب و هو يحاول أن يداري الخوف الذي تملكه:
ـ أنا غير متأكد إذا كنتم شرطة أم لا، و حتى إذا كنتم شرطة ليس من حقكم أن تأخذوا الصندوق.
أشار الرجل لمساعديه، إنهالو عليه ضربا بعصي غليظة، في البداية كان الضرب على الذراعين الملتفين حول الصندوق، زاد ذلك من تعلق صاحبنا بصندوقه، قال الرجل الشرس لمساعديه:
ـ إنهوا عليه، أريد الصندوق، أريده الآن.
إنهال الضرب على الرأس، ضرب قاسي وحشي مجرم، شعر الرجل أن تعلقه بالصندوق مسألة حياة أو موت، في الواقع كانت المسألة مسألة موت لأنه لفظ أنفاسه تحت وقع الضرب. صاح الشرس بمساعديه:
ـ خذوا منه الصندوق الآن.
لكن الجسد الميت مازال يلف ذراعيه حول الصندوق، لم يستطع المساعدان تحرير الصندوق من الذراعين الميتين، حاول رئيسهما أن يساعدهما بلا جدوى. تجمع المارة بتردد حول المشهد الدامي، أخذ الرجل في السباب ثم إنصرف سريعا يتبعه مساعداه.
شيء غريب حدث، فالذين قاموا بإجراء الغـُـسـْـل للجسد الميت أيضا لم يستطيعوا أن يحرروا الصندوق من ذراعي الجثة، إضطروا لإجراء الغــُـسـْـل ثم تكفين الجسد و دفنه و الصندوق معه ملتصق به. الشيء الآخر الغريب الذي حدث أنهم رأوا على وجه الرجل الميت صاحب الصندوق إبتسامة رضا جميلة.