قوبلت الرؤية الاقتصادية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إطار حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ضمن الخطة المعروفة بـ”صفقة القرن”، بازدراء ورفض وسخط بالعالم العربي، حتى عندما دعا البعض في الخليج إلى منحها فرصة.
وتشمل خطة “السلام من أجل الازدهار” إنشاء صندوق استثمار عالمي لدعم اقتصادات الفلسطينيين والدول العربية المجاورة. ويبلغ حجم الخطة 50 مليار دولار، ومن المتوقع أن يطرحها جاريد كوشنر صهر ترامب، خلال مؤتمر في البحرين، هذا الأسبوع.
وأثار ذلك رفضاً ليس من الفلسطينيين فحسب، ولكن أيضاً في الدول العربية التي تسعى “إسرائيل” إلى إقامة علاقات طبيعية معها.
ومن السودان إلى الكويت، استنكر معلقون بارزون ومواطنون عاديون مقترحات كوشنر، بعبارات مماثلة بشكل لافت للانتباه مثل: “مضيعة هائلة للوقت” و”فاشلة” و”مصيرها الفشل منذ البداية”، وفق ما نقلت عنهم وكالة “رويترز”، اليوم الأحد.
وقال المحلل المصري جمال فهمي: “الأوطان لا تُباع، حتى مقابل كل أموال العالم.. هذه الخطة هي من بنات أفكار سماسرة العقارات لا الساسة، حتى الدول العربية التي تُوصف بأنها معتدلة غير قادرة على التعبير علناً عن دعمها”.
في حين قال سركيس نعوم، المعلق بجريدة “النهار” اللبنانية: “هذه الخطة الاقتصادية مثلها مثل غيرها، لن تنجح لأنها بلا أساس سياسي”.
وفي حين أُحيطت الخطوط العريضة للخطة السياسية بالسرية، يقول المسؤولون الذين اطلعوا عليها: إن “كوشنر تخلى عن حل الدولتين، وهو الحل الذي يلقى قبولاً في العالم منذ فترة طويلة، ويشمل قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة إلى جانب إسرائيل”.
ورفضت منظمة التحرير الفلسطينية خطط كوشنر باعتبارها “وعوداً نظرية”، وأصرت على أن الحل السياسي هو الحل الوحيد للصراع، وقالت إنها محاولة لرشوة الفلسطينيين لقبول الاحتلال الإسرائيلي.
ووصف السياسي الأردني الكبير جواد العناني حالة الشك، بأنها “واسعة النطاق” بعد قرارَي ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بضم “إسرائيل” لهضبة الجولان.
وقال العناني: “هذا نهج غير متوازن يفترض أن الفلسطينيين هم الجانب الأضعف وهم الذين يمكن أن يستسلموا للضغط بسهولة أكبر… هذه نكسة كبرى للمنطقة بأَسرها”.
وقال عزام الهنيدي نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، والتي تمثل المعارضة الرئيسة بالبلاد: إن “الخطة الاقتصادية تمثل بيع فلسطين تحت راية الازدهار مقابل السلام دون إعادة الأرض، وإن دول الخليج العربية تتحمل الجزء الأكبر من الأموال”، مشيراً إلى أنها صفقة بأموال عربية.
وستتم مناقشة مقترحات كوشنر الاقتصادية في اجتماع تقوده الولايات المتحدة يومي 25 و26 يونيو المقبلين. وقاطعت السلطة الفلسطينية الاجتماع ولم يوجه البيت الأبيض الدعوة إلى حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
وستشارك دول الخليج العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة، وضمن ذلك السعودية والإمارات، إلى جانب مسؤولين من مصر والأردن والمغرب، ولن يحضر لبنان والعراق.
ويعتقد محللون عرب أن الخطة الاقتصادية تمثل محاولة لشراء معارضة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية برشوةٍ قيمتها مليارات الدولارات للدول المجاورة التي تستضيف ملايين اللاجئين الفلسطينيين، من أجل دمجهم.
وقال صفوان المصري، الأستاذ بجامعة كولومبيا: “من المضلل أن نقول إن هذه الخطة اقتصادية بحتة، لأن لها بعداً سياسياً له آثار تتعارض مع الطموحات السياسية”.
وأردف قائلاً: “جزء كبير من الخمسين مليار دولار سيذهب إلى الدول المجاورة، لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في تلك البلدان”.
وبعد قيام “إسرائيل” في عام 1948، استوعب الأردن وسوريا ولبنان معظم اللاجئين الفلسطينيين. وتشير بعض التقديرات إلى أن عددهم يصل الآن إلى نحو خمسة ملايين.
وقال مهند الحاج علي، وهو زميل بمركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت: “أرى أنها ستفشل فشلاً ذريعاً، في حين ستفيد خصوم الولايات المتحدة بالمنطقة”، في إشارة إلى إيران.
وحتى في الخليج، لا تلقى خطة كوشنر دعماً يُذكر، حيث وصفها ماجد الأنصاري، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر، بأنها “مضحكة وغير واقعية”.
وقال الأنصاري: “فكرة الانتقال من الأرض مقابل السلام إلى المال مقابل السلام تمثل إهانة للقضية الفلسطينية.. من الواضح جداً أن فكرة كوشنر تتمثل في دفع أموال مقابل موافقة الفلسطينيين على استيلاء إسرائيل على جميع أراضيهم، وعدم تقديم تنازلات للفلسطينيين بشكل أساسي”.
وتوقع الباحث الكويتي ميثم الشخص، أن تكون واشنطن غير قادرة على تنفيذ الخطة من خلال الدبلوماسية، وقد يتعين عليها فرضها بالقوة.
وقال: “أعطى (ترامب) إسرائيل القدس والجولان، وفي كل يوم يقدم لهم هدايا على حساب العرب”.