أ.د. ناهدة العاصي
لي صديقٌ أراد أن يسجّل موسّسته التي لا تتوخّى الربح في سجلات الدولة وذلك بهدف تفعيل نشاطاتها وبالتالي مساعدة الدولة من خلال تقديم برامج دمج المهاجرين في المجتمع الكندي المتعدّد الثقافات.
وكما يتطلّب الإجراء الرسميّ الروتينيّ، تواصل أحد أعضاء مجلس إدارة المؤسّسة مع الدائرتين الحكوميّتين المختصّتين بالتسجيل: مصلحة الدخل القومي الكندي التي تصدر رقماً خاصّاً بالمؤسسة، ودائرة خدمة كندا التي تصادق على الرقم وتسجّل رسميّاً أسماء الذين يتمّ التواصل معهم من قِبل الدولة عند اللزوم.
ولتسهيل العمليّة (وبناءً على توصيةٍ صادرةٍ من كافّة الدوائر الحكوميّة)، قام أحد أعضاء مجلس الإدارة بثلاث من أصل أربع خطوات من عمليّة تسجيل المؤسسة على صفحة الإنترنت. ولم يبقَ على أحد موظّفي الدولة سوى التحقّق من صحّة المعلومات وتثبيتها على ملفّ المؤسّسة.
كان من المفترض أن تنتهي تلك العمليّة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ ٦ أيار ٢٠١٩.
لكن حتى تاريخ ٣٠ أب/ أغسطس ٢٠١٩، أي بعد مرور حوالي الأربعة أشهر، لم تنتهِ العمليّة بعد. وبعد ستِّ زيارات لدائرة خدمة كندا كلٌّ منها استغرقت ما بين ساعةً وساعتين و ١٠ ساعات ونيّف من المكالمات الهاتفيّة بين أخذٍ وردّ مع موظّفي الدوائر المختصّة الذين ينقصهم الكثير الكثير من المعرفة، تبيّن أنه:
ـ ليس هناك موظف واحد يعرف ماهيّة إتمام العمليّة كاملةً برغم بساطتها.
ـ حين يعجز الموظف عن تلبية حاجتك والإجابة على أسئلتك، تجده يعترف بأنّه غير قادر على تحديد الجهة المختصّة التي يجب أن يوجّهك إليها عند اللزوم.
ـ وبرغم ذلك، فهو يسلّم جدلاً أنك يجب أن تفهم ما يقول إن استعمل بعض المصطلحات، وأن تتساهل إن تعاطى معك بفوقيّة إستفزازيّة. هي باختصار وقاحةٌ ما بعدها وقاحة.
هذا يدعوني للتساؤل:
ـ أين ذوي الخبرة والإختصاص؟ أي نوعٍ من التوظيف هو هذا؟ هل هو قدرُ المواطن أن يتحمّل تبعات نقص التدريب؟
ـ كيف يمكن للدولة أن تحدّث برامجها وتطوّر العمل؟ هل تتوقّع إن يتقبّل الموظفون الذين يفتقرون للخبرة أي نوعٍ من التغيير؟
ـ هل تهدف الدولة إلى تغليف المعاملات الرّسميّة بالغموض وتطويل الإجراءات الروتينيّة لدرجة يعجز معها المواطن عن متابعة معاملاته وبالتالي يفقد الأمل قبل أن يبدأ بتنفيذ أي مشروع؟
ـ هل يا ترى يستطيع أن يُنهي أي عمليّة تسجيل قبل أن يكون قد فات الأوان لتقديم أي مشروع؟
أعتقد أن سير الأمور بهذا الشكل يشير إلى أن الدولة تدّعي أنها تدعم برامج الدمج الثقافيّة لكنّها في الحقيقة تعمل على دفع كلّ مَن تسوّل له نفسه تقديم برنامج إلى الإنسحاب!
أيّ دولةٍ تريد أخي المواطن؟ لا تدع الفرصة تفوتك دون القيام بدورك في الأنتخابات المقبلة!