بقلم: تيماء الجيوش
غالباً و عند طرح موضوع النسوية، تاريخها، ماهيتها و تأثيرها على واقع المرأة بأبعاده الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية ستجد حذراً و حرصاً في الرأي و حدود النقاش من النساء و الرجال على حدٍ سواء و لربما ليس بالمفاجئ مطالبتهم بعدم تسميتهم نسويات او نسويون ، كأن يُقال :»أنا لستُ نسوية»، أو «أنا لستُ نسوياً» أو «نحن لسنا بمجتمعٍ نسوي». و لربما أيضاً إنهاء الطرح أو النقاش بتراً لا سيما إن قيل تعريفاً «أن النسوية محورها المساواة بين الرجل و المرأة في المجتمعات الإنسانية». و هذا يعني بالتالي أن الرجل نسوي او المرأة نسوية أو أن مجتمعاً ما بأكمله هو نسوي ما دام على الغالب مبدأ المساواة محترماً و سائداً . غير انه و في موضعٍ آخر و ذات عين النساء والرجال ستجدونهم ممن يقف الى جوار حقوق المرأة إن ذُكِرَت، و منها حق العمل او حق التعليم او حق الحياة او حق الجنسية ، إذاً السؤال هو لماذا هذه القوالب النمطية العنيفة، لماذا قبول الحقوق مفردةً ليس بالمُطلق طبعاً و نخنق انفسنا في صناديق من التفكير و السلوك الرافض للنسوية ، إنكارها ، بل و حتى بمحاربتها على قدمٍ و ساق؟
إذا كانت مصادر المعرفة و الثقافة في ظل تطورٍ تكنولوجي متصاعد متوفرة في أيدي معظمنا و تقدم المعلومات الوافرة، لماذا هذا الحذر من النسوية؟
أجزم أن الأمر مرتبط إرتباطاً عميقاً مع غياب التعريف الدقيق و العلمي للنسوية و العمل على مبدأ المساواة بين الرجل و المرأة و ما يعنيه من عدم إقصاء المرأة عن مجتمعها و توفير كل الفرص العادلة لها في المجتمعات الانسانية القائمة أساساً على مشاركة الرجل و المرأة .
هي لا تعني بالمُطلق أن تكون المرأة سلطوية أو ذات امتيازات تتجاوز بها حقوق الاخرين بل العكس تماماً. فجوهرها هو الشراكة الحقيقية و بذات الدرجة دون تمييزٍ أو انتهاك.
ليس مسُتبعداً لدي الكثير من باحثي حقوق المرأة و الحركة النسوية أن هناك تشويهاً مُتعمّداً و موجهاً لخلط المفاهيم و الشروح فيما يخص المرأة إجمالاً . و يتعدى هذا الى مزج الممارسات الثقافية و الاجتماعية التقليدية و منع المس بها و هذا مفهوم لدى الباحثين و الشُراح و لسنا هنا في المكان لشرح أسبابه التاريخية و السياسية و الاجتماعية، لكن من الهام بمكان الان لمجتمعاتنا الانسانية أن تتقدم للتغلب على هذه النمطية و الحدود و المخارج التي تم إرسائها عند بحث الموضوع النسوي نظرياً و عملياً و كل ما يعنيه من حيث احترام حقوق الانسان. الأمر ليس هيناً و لن يأتي دون عملٍ حثيث ، فأنت تُلقي بحجرٍ في مياهٍ آسنة و لدى البعض و أشدد هنا على كلمة «البعض» هو تحيزٍ قائم على النوع و كراهية المرأة في المجتمع، و لن يمر الأمر بتقبله بل كان و لا يزال مثاراً لهجومٍ و لردود أفعالٍ عنيفة وانتقادٍ قاسٍ يُستهدف فيه اضطهاد الرأي الاخر بقذفٍ و سبٍ شخصي و مهني بما يُعّرض السلامة و الامن الشخصيين للخطر حتى لو تم الطرح او النقاش بأكثر السبل المدنية – الديبلوماسية ، فالمطلوب هنا صمت النساء.
Emma Watson ايما تومسون كما ذكرت في مقالٍ سابق من وجهة نظرها كان لا بد أن تدعو الرجال الى الحركة النسوية HE FOR SHE. لان الامر مفصلي و هذا حقيقي تماماً وبالرغم من ذلك هوجمت من قبل المتطرفين اللذين رفضوا ما تقدمت به جملةً و تفصيلاً بل و تعرضت لحملةٍ شعواء.
العديد من المقالات و المقابلات التحريضية تم توثيقها و العديد من الاشخاص تقدموا بآراءهم المناهضة للنسوية و النسويات دون اكتراثٍ لما هو آتٍ او ما الذي تتولد عنه هذه الآراء. يعني هل هو مرعب حقاً أن تعيش في عالمٍ نسوي؟
صعود الحركة النسوية جاء مع انهيار سوق العمل و تقدم النساء بأدوارهم المساوية من حيث الاهمية للرجال خرجت المرأة من المطبخ و من دورها الإنجابي الى محيطها الانساني الاوسع ، لم يكن بتاتاً محوره الاحساس بالتفوق او السيطرة أو دفع الرجال الى الخلف بل كان مشاركة حقيقية و لا يزال ، بل كان حاجةً اجتماعية اقتصادية لإعادة بناء مجتمعٍ بأكمله في ظل ظروفٍ استثنائية. لم يُشكّل هذا الامر تهديداً للهوية ، المستقبل المتوازن قائم على الشراكة الحقيقية و المساواة ، لم يُعد هناك عالم حيث فيه البطل المغوار الذي يأتي بفروسية كي يحارب و يؤسس لعالمٍ عادلٍ او مدينة فاضلة و تكون امرأة عظيمة في مطبخه.
المرأة اليوم في البلدان المُتحضرة تعتمد التنظيم و التنسيق و المشاركة و كيفية الاستفادة من المصادر لتغير واقعها و تنهي قروناً من هيكلة التمييز المؤسس على اساس النوع. أي احترام المساواة و إرساء ما هو طبيعي و منطقي.
انظروا الى التجارب و الابداعات الانسانية للمرأة عبر العقود الماضية و لن اقول القرن الماضي ، حيث أبرزت النساء المنضويات تحت مظلاتٍ او خلفياتٍ اجتماعية، اقتصادية، سياسية مختلفة ، تقدم عميق و اصيل و بمستويات مختلفة للعمل و استمرار المجتمعات و بقاءها و تطورها.
أقرب مثالٍ على الصعيد السياسي العالمي و في زمنٍ اجتاحته الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتتالية ، في زمن الوباء او الجائحة او سمها ما شئت ، برزت النساء كي تقود بحصافة و ذكاء وحسٍ انساني رفيع و منهن و اولهن :
Angela Merkel ، Christine Lagarde ، Jacinda Ardern لك ان تقبل او ترفض النسوية لكن المساواة قادمة.
وللحديث بقية.