بقلم: كلودين كرمة
هل هناك اقسي على النفس من انها لا تستمتع بما انعم بها الله عليها من خيرات ونعم وهبات ومواهب..؟
كل من يحيط بها ينظر الى هالات النور التى تضيئ من حولها..ولا يدرون ان ظلها يقع داخل الدائرة فيمنع صاحبها من الاستمتاع بضوء تلك الهالات المضيئة.
فالخير الكثير والمال الموفور والسيارات الفخمة والأملاك فهى بالتأكيد من خيرات الله ولكن هل تستطيع ان تخلق القلب السعيد و العيون الفرحة ..؟
فمن ينقصه المال تكون اجابته بتأكيد ان وجوده يغنى عن اى شئ حتى الاهل والأصدقاء..ومن تنقصه مظاهر التنعم والترف ربما يؤيده…ويجيب اخر ربما تنقصه الشهرة حتى يبلغ مناه .. وآخر يبغى المركز والسلطة ويجد فيها تعويضا عن ما يعنيه …
وما هذا معقول ومقبول فكل هذه تمنح النفس نوع من السعادة ولكن المؤقته.. ولكن عندما يختلى الانسان وذاته تجده عابس الوجه حزين ومكتئب وهو من كانت ضحكاته يسمع صداها من هم على بعد منه.. ويتمنون لو استطاعوا ان يستمتعوا بيوم واحد من ايام حياته ..ولكن هيهات فإنهم يتبادلون النظرات والهماسات والتساؤلات وربما يحسدون و ينكرون عليه نجاحاته وانجازاته ويشككون فى قدراته مفسرين ذلك انه ضربة حظ لا اكثر ولا اقل…
وذلك الانسان -المحظوظ – من وجهة نظرهم ، انما يعانى ما يعانيه من آلام نفسية وصراعات بسبب ما يحيط به من مشاعر مزيفة ونفاق وما يفرض عليه من مجاملات و معاملات واتفاقيات لا يستطيع التعفف عنها وإلا……
فهل يستطيع احد مهما تحلى بالذهب والألماس ان ينسى الآمه وينصرف عن وجيعته او هل يشفى ذلك مرضه ويجد له الصديق الصدوق والقلب الأمين!
فهل يفيد مجد الدنيا الزائل فى التعويض عن اناس فقدانهم او قلوب تحولت عنا او يمكن ان تستعيد لنا ايامنا الجميلة وزمان مضى..هل يمكن ان تحقق احلام الصبى وتجسد تلك المعانى السامية والمشاعر النبيلة التى كنا نراها بأفكارنا ومشاعرنا فنصدق وجودها..
ولكن مع قسوة الأيام و اختلاف الاراء و اصطدام المصالح ومع التسابق لتحقيق الاهداف او الاحلام او النجاحات او المطامع .. ولتختلف المسميات -ولكن فى النهاية تبقى هى الاهم …
نعم تبقى الاهم من الترابط الاسرى ..ومن المصداقية.. والصداقة..بل اهم من المبادئ واغلى من الصدق..وترتفع عن الاخلاق… فأصبحنا نضحى بكل ماهو غال ونفيس ..فنحن نضحى بأنفسنا من اجل حياتنا على حساب احبابنا..عجبا لهذا السلوك المرتبك والتفكير المشتت والحياة التى تفقد اجمل معانيها..
ما فائدة الحياة وهى مليئة بالنفاق ،خالية من الحب وبدون المقربين الينا …
فنحن نرسم البسمة و نوهم انفسنا بأننا حققنا ذواتنا من خلال انجازاتنا ولكن فى حقيقة الامر ان القلب يبكى مما نعانيه من حرمان نعم رغم كل ما يرانا عليه من هم من حولنا إلا انهم عاجزون ان يروا ما تثاقلت به قلوبنا ودمعت له عيوننا وشاخت بسببه مشاعرنا ..وكأنهم يرون قصرا فخما جدا فيتوهمون ان من بداخله لا يعتريهم الحزن او المرض او القلق والى آخره من مآسي الحياة التى لا تميز بين قصر او كوخ..
ولكن يجب ان لا ننكر ان من لديه الامكانيات يشعر انه يستطيع ان يتدبر امره ومن تنقصه يشعر بالقلق والخوف من الغد …ولكن عندما ندقق النظر والتأمل والفحص نرى ان حياة الانسان هى من الله وليست من امواله .وان من لديه الصحة -مثلا-خير من غنى ينفق نقوده فى شراء الادوية ..والمقصود انه ينبغى ان ننظر الى ما بين ايدينا وما انعم الله به علينا من مميزات ومنح لا تقدر بمال بدلا من ان نتطلع الى حياة الآخرين ..فكل إنسان لديه الحلو والمر ..
فلا نخاصم بعضنا بعضا ولا نحقد ولا نستحل ما لغيرنا ما اعظم الانسان السعيد رغم شقاؤه الذى يرسم البسمة على وجه التعساء رغم بؤسه ويعطى بكرم رغم عوزه انه مثالا يحتزى به ممن هم اوفر منه حظا لكنهم يقطرون فى عطائهم ..المادى والمعنوى ..وكأنهم يتغافلون ان السعادة فى العطاء والمشاركة تملأ الدنيا من حولنا فتخفف من قسوتها واحمالها..ونستطيع عندئذ ان نحقق معا احلامنا ونوحد اهدافنا فينتهى الصراع والتناحر اذ ايقنا ان نجاح الفرد لا ينفصل عن نجاحات من حوله وان سعادته مستمدة من المحيطين به وان تقدمه مرهون بمساندة اعوانه..فلا احد يستطيع ان ينجز كل الأعمال بمفرده وعلى اكمل وجه لذلك ارتباط الفرد بمجتمعه وتوثيق العلاقات مع الآخرين هو من اساسيات الحياة ومن دواعى تحقيق اعظم الانجازات.