بقلم: أسماء أبو بكر
قبل أن نتحدث عن حرية التعبير في مجتمعنا العربي، علينا أن نؤمن جميعًا بحرية الفكر أولًا؛ لأن المطالبة بحرية التعبير داخل مجتمع لا يؤمن بحرية الفكر هي درب من العبث ، فما الجدوى من إصرارنا الدائم على أن نتمتع بحرية التعبير، ما دمنا في نهاية الأمر لن نعبر إلا عن ما أراد غيرنا الحديث عنه بطريقة أو بأخرى، ولكننا في النهاية ربما نعطي إضافة تذكر فيما بعد، فقد تربينا منذ نعومة أظافرنا داخل مجتمع لا يسمح لنا أن نتحدث بشكل مستقل، على الرغم من أن لكل منا الحق في التعبير عن رأيه بالكتابة أو بالقول أو غير ذلك من النشر والتعبير على مسؤوليتنا الشخصية، أو المجازفة بحياتنا ثمنا للتعبير عن آرائنا.
فهل من الممكن أن تؤدي الحرية في الرأي أو التعبير كتابة أو قولًا إلى الاختفاء والقتل والتعذيب تقطيعًا مثلمًا حدث مع الصحفي السعودي “جمال خاشقجى”؟؟
في الحقيقة حرية التعبير في المجتمعات العربية ليست كما تفعلون اليوم، فهي لا تعني التحرر من كل القيود بل أن هناك قيود لا بد من الالتزام بها، وهي القيود التي تضمن لمجتمعنا الأمن والسلام واحترام حقوق الآخرين وحرياتهم، وحماية النظام العام، ولا تعني التحرر بضغوط الحكام بقوة سلطانهم، ولا تعني الشباب بقوتهم ضد المجتمع سواء بالقول أو بالفعل، ولا تعني انتهاك حقوق الاّخرين، بل تعني تقدير واحترام جميع الأديان، وعدم المساس بها أو التعدي عليها بأىِّ شكل أيا كان، فعلينا أن ندرك جميعًا أن للمواطنة حقوقًا وللوطن مواطن قادرًا على فهم المواطنة، بما له من حقوق وما عليه من واجبات، فحريتنا كمجتمع عربي مقيدة أخلاقيًا ودينيًا، وليست مطلقة تبيح التحرش والزنا والفجر والفسوق والعصيان، وباحترام الفرد لذاته ولحرية الآخرين سيجعله يمارس حريته بوعي ومعرفة وقدرة على تحمل المسئولية، مع اعتبار ما قد تتسبب فيه وسائل التواصل الاجتماعي التي ألغت المسافات بين الدول، وأزالت كل الحواجز وذلك أدَّى إلى الفهم الخاطئ للحرية، ولكن إذا كانت الحرية تؤدي إلى القتل والتعذيب والحقن والنشر فهذه ليست حرية على الاطلاق.
فالحرية الشخصية حق طبيعي وهى مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق، ويجب أن يُبلغ فورًا كل من تقيد حريته بأسباب ذلك ويحاط بحقوقه كتابة، ويُمكٌن من الاتصال بذويه و بمحاميه فورًا، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته.
ولا يبدأ التحقيق معه إلا فى حضور محاميه، فإن لم يكن له محام نُدب له محام، مع توفير المساعدة اللازمة لذوي الإعاقة وفقًا للإجراءات المقررة فى القانون، ولكل من تقيد حريته ولغيره حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء، والفصل فيه خلال أسبوع من ذلك الاجراء، وإلا وجب الإفراج عنه فورًا، وينظم القانون أحكام الحبس الاحتياطي ومدته وأسبابه، وحالات استحقاق التعويض الذي تلتزم الدولة بأدائه عن الحبس الاحتياطي، أو عن تنفيذ عقوبة صدر حكم بات بإلغاء الحكم المنفذه بموجبه، وفى جميع الأحوال لا يجوز محاكمة المتهم فى الجرائم التي يجوز الحبس فيها إلا بحضور محام موكل أو مٌنتدب.
إن سيادة الحرية في المجتمع العربي لا تعطيه حصانة مانعة في مواجهة الوافد الخارجي أيًا كان ذلك الوافد، بل إنها تغرس فيه الاحساس بالذات، وإستقلال الشخصية واحترامه لآدميته، ومن هنا تأتي أهمية التوعية للمجتمع حول ضرورة التعبير عن الرأى، ورقابة السلطة في قرارتها وإرساء قواعد ضبط إيقاع العمل داخل المجتمع بما يتفق مع حقوق الجميع، وبذلك فهي تتمثل في تنمية الفكر والقدرة على الدراسة في والافكار التي تنهض بالمجتمع وإقراره، فضلًا عن تنشئة مواطن قادر على البذل والعطاء، وأن المجتمع الذي يصون لأفراده حرية التعبير دون تميز هو المجتمع الحر الذي تسود فيه حق حرية التعبير، وتزداد قيمة عندما تقترن بالحرية الإعلامية؛ لأن الإعلام هو رسالة ومرسل وسيلة وأسلوب، لذلك من الواجب على الرسالة الإعلامية تقدير حكم الجمهور ووجهات النظر الموضوعية بعيدًا عن فكرة الخطأ المطلق أو الصح المطلق مع تقدير ثقافة الاختلاف والتنوع والتعددية، ومع توضيح طبائع مشكلة التلقي وحرية التفاعل مع الرسالة التي تقدمها وسائل الاعلام، كما نرى جهود المجتمع العربي فى الفترة الحالية، فوسائل الإعلام لها الدور الاكبر والقاعدة فى تسليط الضوء على تعبير ورأى وتوصيل صوت الجمهور، ومن ثم يجب أن يتسم الإعلام بالشفافية.
إن ما يمكنني التأكيد عليه هو أن حرية التعبير من أهم القضايا التي لازمت الأمة العربيه منذ الوهلة الأولى للأحداث الجارية؛ حيث أقرها ديننا الحنيف وكرستها الشرائع بالتنصيص عليها من مواثيق وإعلانات عالمية من تجمع سلمي، وحرية إعلام وحرية معتقد ديني، فهي السياج الحامي لكافة الحقوق والحريات العامة، وهى أداة المجتمع؛ لتحقيق آماله وأهدافه، وهى وسيلة لرد الطغيان ومقاومة الظلم والفساد وركيزه أساسيه من ركائز الديمقراطية الحقيقة، ومن أهم القضايا المطروحة على الساحة الدولية حاليًا، وتعتبر المرآة العاكسة لشخصية الإنسان، ﻓﺈن اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ لها ﺗﻤﺜﻠﺖ ﻓﻲ أنها الوسيلة الأساسية؛ من أجل تقدم وتطور المجتمع العربي لأنهما أحد ثمار حرية الرأى والتعبير، وبذلك فهي تسهم في تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع.