بقلم: كلودين كرمة
اننا نعيش فى هذا العالم ايام صاخبة مليئة بالاحداث سريعة الإيقاع حتى انه لا يتسنى للفرد ان يقف ليلتقط انفاسه او ليعيد حسباته و يتأكد من ان الطريق الذى يسلكه هو الافضل ؛ والويل له ان سقط لانه لا يجد من يأخذ بيده فكل يعدو فى اتجاه الهدف : لا يرى سوى صورته ولا يسمع الا صوته.
واننا نرى بالرغم من الازدخام وكثرة المحيطين الا ان العزلة تتجلى بشكل واضح وصريح ..فهذا تناقض غريب..الكثير من المعارف والاصحاب بل الاهل والاصدقاء والاحباب ولكننا لا نشعر بالمساندة الحقيقية والمحبة الفعالة .. و تولد بداخلنا مشاعر القلق والخوف من المستقبل بكل تفاصيله .. ونتسآل هل لنا احباب نعم ولكنهم مشغلون … هل هناك من يضحى نعم ولكن كل شئ بحساب .. هل هناك من منقذ وقت الازمات نعم ولكن بشروط..
اصبح الخوف يشكل الجزء الاكبر من الصورة ويرسم الايام بخطوط مشوشة فيها الظلال اكثر من النور وكأنه يعبر عن الغموض الذى يسود عل حياتنا فالرؤية لم تعد واضحة والصورة لم تعد نقية وهذا يصيب النفس بالقلق والاعصاب بالتوتر والفكر بالاضطراب وهذا من شأنه ان يغير سلوك الانسان ويدفعه دون ان يدرى الى الانانية واذا زاد هذا التشويش فلا مانع من أن يلجأ الى حماية نفسه بتدمير غيره..
فما دامت الامور بهذا السوء فاننا نفضل العزلة حتى تسير حياتنا بهدوء ولا يتدخل فى تغير مسارها احد من الحاقدين وحتى لا يستغل احد نقاط الضعف فى اسقاطنا او يفشى اسرارنا فنفشل … فى هذا العصر الذى تسود فيه التكنولوجيا فانها تساعد فى وضع الرتوش النهائية فى رسم هذه الصورة المحزنة .. فان الهاتف المحمول اصبح بمثابة بيت متكامل ومكان للعمل متنقل كذلك مصدر للمعلومات ومكان يشبه القلب تخزتن فيه الذكريات
واحلى اللحظات.. فانه بشكل او بأخر يغنينا ويشبع فضولنا فانه يستجيب لرغباتنا وينفذ اوامرنا بسرعة فائقة ودون معارضة..
وهذا زاد الانسان كبرياء وتعظم .. فانه يرى كل من يحيط به وكانه حاسوب لا عقل له يجب ان ينفذ اومره ويطيع دون تردد او جدال.. والنتيجة الحتمية هى نشوب الخلافات والخصومات التى تصل الى حد الانتقام والتهديد والوعيد..
فكل هذا يسود على المجتمع ويغير من هيأته وصفاته ويفصل بين افراده وتتغير سماتهم وطبائعهم ..
فاننا نفتقد روح المرح والحب الصادق والصداقة المضحية والترابط والمساندة التى بها نصبح اكثر قوة واشد بأسا واكثر اشراقا حتى نبنى مستقبل اكثر اشراقا وتطورا .. فالنفوس المحبة والعقول المستنيرة والنفس السوية تبنى الثقة وتدعم الامانة لا تخشى الايام ولا تجزع من المفاجآت لان هويتها مبنية على اساس سليم ودعائمها منتصبة بقوة لا تهتز ولا تنهار .
ويظل الانسان فى اعماقه يبحث عن الأمان والدفء فى اعماقه رغم تظاهره بالقوة واستخدامه للعنف .. فلا ننخدع فما هما الا درع يحتمى به من غدر الزمان والاحباب.. فالهدوء الذى تتوق اليه النفس لا وجود له فى القسوة والتهكم انما يكمن فى الاطمئنان للنفوس المحبة والثقة فى الاخلاق الرفيعة والصفات الحميدة التى تستحق ان نحارب من اجلها حتى نحتفظ لها بمكانتها .. فان كنا نحارب من اجل اسباب واهية ونقتل بعضنا بعضا من اجل افكار متهالكة فهذا هو التخلف بعينه .
فلنحارب بالفكر وليس بالسلاح فالفكر يبنى والسلا ح لا يخلف وراءه إلا المزيد من العنف والانتقام والدمار.
فلنحارب الفقر والجهل والمرض بدلا من ان نشن الحرب على احبابنا وندمر ارضنا ونخلف ورائنا القبح و نبث فى الهواء رائحة الموت وشبح الفناء..فلنتحد و لندافع عن هويتنا وثقافتنا بدلا من ان نظهر للعالم فى ابشع صورنا فيسخرون منا ويحطموننا ويستغلون جهلنا حتى يزيدوا من الطعنات التى تدمى انفسنا وتمحى ماضينا و تشوه مستقبلنا.
هيا الى العلم والتمسك بالمبادئ والثبات فى القيم والاعتزاز بالموروثات حتى ننتصر على اعدائنا ونعلو فوق خلافتنا فالغاية تستحق ان نستميت من اجل تحقيقها..
ومن هذا نتبين ان السلوك الشخصى يؤثر على المجتمع ..قلننتبه الى المنهج العلمى المتبع ولنصحح مسارنا ولنشد اذرنا حتى تستقيم الامور ونستحق الحياة التى وهبت الينا ..فان من لا يستطيع ان يحمى حقه فلا يلوم احداً ان سلب منه.