بقلم: سناء سراج
في أوائل حقبة الثمانينات اجتمع أفراد العائلة واتفقوا على الذهاب إلى السينما، وأن يأخذوا الأب المكلوم بعد وفاة زوجته ورفيقة دربه وشريكته على الحلوة والمرة وما أكثر المرار في رحلة الشقاء والحب ماتت الأم وتركت خمسة من الأبناء ثلاث بنات وولدين هما الأصغر سناً بعد شوق سنين وبعد أن احترق قلبها مرات ومرات، لقد مات لها خمسة آخرين من الأولاد من الصبيان والبنات في أوائل حياتها الزوجية لأنها تزوجت في سن الخامسة عشر عاما ورزقها الله ابنتها الكبرى وبعدها خمس اولاد وبنات ماتوا جميعا أطفال ومن احرق قلبها واعتصره أبنها مصطفى ذات الست سنوات ولكن كرم الله كبير وعظيم حيث عوضها الله بخمسة أبناء آخرين هم ما تبقى لها، هم إرثها من الدنيا التي كم عافرت وتحدت الأيام وقسوة الفقر لكي تربيهم وتعلمهم جيدآ وقبل أن تصل بأبنائها إلى بر الأمان اختطفها الموت وهي في أول العقد الخامس من عمرها وتركت الأب المكلوم رفيق الدرب ورفيق العمر، ماتت واقفة في لحظات فكانت الفاجعة كبرى وعظيمة على كل من يعرفها وخاصة أبنائها الذين مازالوا في وسط الطريق.
تركت الأبناء يعانون الأمرين بين نار فراقها وبين تحمل المسئولية التي ألقيت على عاتقهم وخاصة جميعهم في مراحل التعليم المختلفة ، ماعدا الأخت الكبرى التي تزوجت منذ عدة سنوات وأنجبت طفلا جميلا استطاعت الأم الراحلة أن ترى حفيدا لها قبل وفاتها، وكان الأب طيب القلب عف اللسان هادئ الطباع مرسوم على قسمات وجهه شقاء وعناء السنين ولكن هذا لا يمنع السماحه و بعض من الوسامة التي كان يتصف بها.
وبعد فراق شريكة العمر والسند وواحة الراحة التف حوله أبنائه ليخففوا عنه الحزن الساكن في عينيه وصمته الدائم، واقنعوه أن يذهبوا جميعا إلى السينما ويشاهدوا فيلم كوميدي لعادل إمام حيث كان الأشهر وتقريبا الأوحد في هذا التصنيف في ذلك الوقت وتجمعوا وذهبوا إلى السينما في وسط البلد شارع عماد الدين ودخلوا فيلم حتى لا يطير الدخان ..
وهنا كانت المفارقة العجيبة وكأن القدر والحظ يعاند تلك العائلة سيئة الحظ ببساطة لأن الفيلم قصته حزينة ومبكية ودراما سوداء واضطروا أن يكملوا للنهاية المأساوية التي مات البطل فيها في نهاية الفيلم بعد معاناته مع المرض.
وخرج الأب وعائلته من السينما أكثر حزنا وهمآ يتجولون في شوارع وسط البلد وينظرون الي المارة تارة ومعروضات المحلات المختلفة تارة أخرى ويتحدثون عن هذا الحظ السئ الذي لازمهم وأنهم كانوا يتمنوا أن يستمتعوا بحوار كوميدي يخفف عنهم وعن الأب الذي لم يعهد الدخول للسينما لكثرة انشغاله بعمله ليربي أولاده ويعلمهم حيث كان هو المصدر الوحيد للمال في تلك العائلة وتارة يندبون الحظ ثم يضحكون من سخرية الموقف وقبل أن يستقلوا الأتوبيس عائدين إلى المنزل وقفت الابنة الصغرى على أحد الأرصفة عند بائع الكتب في شارع 26 يوليو لتشتري قصة حيث كانت مولعة بالقراءة وتصفحت عدة كتب سريعا حتى وقع بصرها على كتاب يحمل اسم ((سأبكي غدا)) وكان هذا أكثر حزنا وبكاءً من قصة الفيلم اللا كوميدي..
وجرت مسرعة تبحث عن أبيها وأخواتها خوفا أن تفقد أثرهم وتتوه وسط الزحام والناس.
وهذه هي حكاية ذكرى فيلم حتى لا يطير الدخان مع تلك العائلة والفيلم …