بقلم: سونيا الحداد
لم يتغيّر شيء منذ فجر التاريخ الى يومنا هذا. إنها الحقيقة المؤلمة التي نواجهها اليوم وقد تجلّت بكل وضوح. القوي يأكل الضعيف، يشعل الحروب ويخلق السلام. يصنع الأبطال والمجرمين. اليوم معك وغدًا عليك. يلعب بك حجرًا على رقعة الشطرنج يكشّك ساعة يشاء.
تاريخ البشرية قائم على هذا المبدأ حقًا وكل ما تربينا عليه من مبادئ وقيم تصبح سرابًا ساعة الحقيقة. يحتلك الغازي ويفرض عليك حدوده، دينه، ولغته منكلا بتراثك وتاريخك لا يردعه أحد لأنه الأقوى. الي أن يأتي من هو متجبّر أكثر يكسب المعركة وينصّب نفسه غازيًا جديدًا، الآمر الناهي لا معارض له أبدا، واليوم بات اسمه الامم او بالأحرى العشائر المتحدة. منظمة سقط حجابها الذي آرتدته بعد الدمار الرهيب على كل الأصعدة نتيجة الحرب العالمية الثانية، والتي كان لها الدور الأساسي في إشعالها والإستفادة منها. لعبة أممية بامتياز وضعت مصير العالم الذي تكبّد خسائر بشرية تجاوزت الـ 60 مليون نسمة من الأرواح التي أزهقت كالحشرات، ودمّرت شعوب ودول بعد أن ضمّتها ووضعت خريطة للعالم الجديد رسمت حدوده بناء على مصالحها الخاصة ورسّخت مكاسبها بيد خمسة أعضاء يحملون حق الفيتو ويقررون الموت أو الحياة لجميع الشعوب!
سقط الحجاب ومعه كل القيم والمبادئ التي تربت عليها الأجيال أمام نفاق الدول والأديان وحيتان المال والقوة. عشنا وهما بعد نهاية الحرب العالمية تحت شعار الإنسانية والمساواة وحقوق الانسان واحترام الحدود وشرف الدولة. كنا نشك بلعبة الأمم وتأملنا بأن شكوكنا قد تكون مضخمة خوفا من الآخر ولكن اللعب اليوم بات على المكشوف ومن جميع الأطراف، حتى ممن هم أحجار على رقعة هذه اللعبة الأممية. عرفنا اليوم أن القوي يأكل الضعيف. أن الإنتماءات ليست للوطن بل للدين والنسب أولا وأخيرا، وان الانسانية العالمية أكثر منها عرقية عصبية دينية عشائرية لا غير. عرفنا ان ما يسمّى بالقيم العالمية هي ضحية تُنحر على مذبح الأطماع والمصالح الدولية والمحلية، وأنها قد سُخرت وسيلة من أجل استملاك الشعوب سلميا من خلال عناوين طنانة ومنظمات تطبل وتزمر محدثة إيانا عن حرية الفكر والكرامة والتطور الاجتماعي والاقتصادي والي آخره من محاضرات وندوات ومنظمات إنسانية تستغل نبلاء الفكر وتضعهم واجهة تمهّد الى تقويض الأسس التحتية للمجتمع تحضيرا للإنقلاب عليه فأرضة عليه، وقد بات تحت سيطرتها، قوانينها وشروطها وممثليها التابعين لأوامرها الحافظين لمصالحها. حقيقة لم تترك أحدًا من شرّها. تحتل العالم يوما بعد يوم عبر جميع الوسائل الإعلامية والاجتماعية، تزرع بذور التفرقة، تقسم المجتمع تتجسس عليه وتنكل به لكي تسود. حقيقة ولد منها أعمال إرهابية تقشعر لها الأبدان ويكاد عقلك ينفصم من هول ما نشهد ونسمع من ارهاب أحرق الأرض وأزهق الأرواح ونجّس السماء… والقادم أعظم!
إنها نقطة تحول تاريخية في تاريخ البشرية وعلى جميع الأصعدة. العالم الذي عرفناه ونعرفه اليوم لن يدوم على هذه الصورة. أننا ندخل عصرًا جديدًا له قيمه ومبادئه ونظام حياة مختلف كليًا. القوى الدولية ستتغير كليًا وكذلك الأنظمة والأديان. انه عصر الفضائيات الذي يقلب جميع المعايير والنظم التقنية، الاجتماعية والعسكرية، فارضا حضارته التي يتفق عليها من يرفع له الطاعة من الأمم أو بالأحرى العشائر خاصة وان الإنسان الإلكتروني يتكاثر هو أيضا. نعم هذا هو القانون الدولي الحقيقي وكفانا نتنقل بين أطلال الكثبان وظل الرهبان نتناحر من أجل سراب ليس لنا كلمة الفصل فيه، ويا ليتنا نتوجه الى مصافحة بعضنا ونشر فقط نور القيم الانسانية العالمية بيننا لعلنا نعيش سلاما يعطينا القوة الكافية لمواجهة الحقيقة وجعلها أجمل!