بقلم: أ.د. ناهدة العاصي
قد يدهشك عزيزي القارئ أنّه من ضمن الأبحاث العلميّة الموثّقة، هناك ٣٥٠٠ شخص تمّ علاجهم وشفاؤهم من أمراض غير قابلة للشفاء مثل سرطانات الدرجة الرابعة، فيروس نقص المناعة، أمراض القلب، الفشل الكلوي، السكّري، ارتفاع ضعط الدم، أمراض الغدة الدرقية وأمراض المناعة وذلك نتيجةً لاستعمال البلاسيبو (placebo). البلاسيبو هو دواء وهمي عبارة عن حبّة دواء (حبوب سكّر مغلّفة) أو إجراء غير ضار أو حتّى عمليّة جراحيّة مزيّفة. هو باختصار تدبير مصمّم لتهدئة أو إرضاء المريض نفسيّاً.
مثال على مدى فعاليّة البلاسيبو
في عام ١٩٥٧ أصيب السيد رايت (Wright) بسرطان الغدد اللّمفاوية بدرجةٍ متقدمة أدّت إلى نشوء أورام كبيرة في جميع أنحاء جسمه. –
ـ تمسُّكه بالحياة دفعهُ للتفتيش عن وإيجاد الدواء والإصرار على طبيبه د. وايت أن يصِفه له في حين كان الدواء قيد التّجربة.
ـ ظنّاً منه أنّ المريض ميّت لا محالة وأنّه لن يراه ثانيةً، وافق الطبيب على وصف الدّواء.
ـ في غضون أسبوع من استعمال الدواء تقلّصت الأورام إلى نصف حجمها، وبعد عشرة أيام اختفت كلّياً.
ـ لكن صدور أوّل تقرير عن الدواء والإشارة إلى كونه غير فعّال أدّى إلى إصابة المريض بحالة إكتئاب شديدة وبالتالي عودة كلّ أعراض السرطان السّابقة.
ـ هذه المرّة ولأسباب بحثيّة فقط، أخبر الطبيب المريض أن الدواء الأصلي لم يكن جيداً وأنّه حصل على دواء آخر شديد التركيز. ومن ثم حقن السيد رايت بمحلول ملحيّ، أي لجأ إلى ال (Placebo).
ـ مرّةً أخرى اختفت الأورام واختفى السائل الذي كان يملأ رئتي المريض والذي وجب سحبه عادةً باستعمال الأدوية.
ـ لكن بعد فترة صدر التقرير النهائيّ الذي أشار إلى أن الدواء لم يكن مفيداّ على الإطلاق. بعدها بيومين توفي المريض.
الخلاصة:
ـ ذهاب الأورام كان مثالاً على تأثير الدواء الوهمي (Placebo).
ـ عندما يُعطى المريض علاجاً وهميّاً سيشعر بتحسن من ١٨٪ إلى ٨٠٪ من المرات: وهذا الشعور يزيد من تفاؤل المريض، الأمرالذي يمكن قياسه حسبما تشير الأبحاث.
ـ ماذا يحصل إن أعطيت هذا العلاج الوهمي لمرضى السرطان وأخبرتهم أن هذا علاج كيميائي؟ سيتقيّأون ويفقدون شعرهم. وهذا ما يسمّى (nocebo) أي النتائج السلبيّة للدواء الوهمي.
ـ ماذا يحصل إن قال الطبيب للمريض أنه يعاني من مرض عضال ويحتاج إلى تناول الدواء لبقية حياته أو أنّه مصاب بالسرطان ولديه خمس سنوات للبقاء على قيد الحياة؟ أيضاً (nocebo)! ألا يعلم الطبيب أنّ لامبالاته أو كلامه السلبي عن حالة صحّيّة يؤدّي إلى عدم إستجابه المريض للعلاج؟ أم أنه يلمّح للمريض بأن يكتبَ وصيّته في أقرب وقت؟
ما هو سر الشفاء؟
قد نتساءل أيّها أهمّ، البلاسيبو أم إيجابية التفكير أم الرّعاية الطّبيّة؟ لقد ثبت أنّ أيجابيّة التفكيرعنصرٌ أساسيّ للشفاء لأنّ التصميم على أمرٍ ما يزيد من قدرة الإنسان على المثابرة. لكن الأكثر أهمّيّة منها والأكثر فعاليّة هو الرعاية الصحّية المُقدّمة من قّبل أصحاب الإختصاص (الطبيب أو الممرّض أو الأخصّائي الإجتماعي). ولا عجب أن بعض الإبحاث تصف الطبيب على أنّه هو الدواء الوهمي. وخير مثالٍ على ذلك هو حين يخبر الأطبّاء مرضاهم أنهم يعطونهم العلاج الوهمي (Placebo)، وبالرغم من ذلك، تستمرّ ظروفهم الصحية بالتحسُّن. إذاً الشّرط الأساسي لتسهيل عمليّة الشفاء هو التعامل مع المريض بإيجابيّة وهذا ما يُفعِّل آليّة الإنسان الفطرية للإصلاح الذاتي. لكن المؤشّر الأكيد لغياب هذه الرعاية هو ارتفاع نسبة مبيع العقاقير المهدّئة ومن ضمنها البالاسيبو بنسبة ٢٠٪ في عام واحد.
كيف نستغني عن البلاسيبو حسب العلوم الحديثة؟
بالنسبة ل Lissa Rankin، العافية لا تكون بمجرّد غياب التوتر فتمتُّع الإنسان بالعافية يعني حصوله على رعاية صحية كاملة التي هي أكثر من مجرد اتباع نظامٍ غذائي معيّن أو برنامج تمارين منتظمة أو الحصول على قسط كاف من النوم أو اتّباع أوامر الطبيب. نحن بحاجة إلى علاقات صحّيّة، وحياة مهنيّة صحّيّة، وحياة إبداعيّة صحيّة، وحياة روحيّة صحّيّة, وحياة جنسيّه صحّيّة، وحياة ماليّة صحّيّة, وبيئة صحّيّة. في جوهرها، نحن بحاجة إلى العقل السّليم. وبالنسبة ل Bruce Lipton نحن بحاجة إلى الحياة والحب والسعادة. فالعلاقات الإجتماعيّة الإنسانيّة الجيّدة تقلّل من الإصابة بأمراض القلب والأزمات الصحّيّة بنسبة ٥٠٪. وحضور الطقوس الدينيّة والحصول على حياة زوجيّة ناجحة وأخذ عطلة سنويّة يقلّل من الإصابة بأمراض القلب بنسبة ٤٠٪.
كيف يمكن للوزارات المختصّة أن تساعد في هذا المجال؟
واقع أنّ نظام الرعاية الصحية في كيبيك متصدّع بسبب الروتين الطبّي البطئ جدّاً والنقص في عدد أطبّاء العائلة، يستوجب أن يتوقّف المرضى عن التفكير أن أجسامهم ليست من أعمالهم. هم بحاجة إلى التواصل مع أجسادهم والإقتناع أنه بإمكان الإنسان أن يساعد نفسه على الشّفاء. أمّا الدّولة فواجبها تجاه الشعب كبير ولا يمكن المساومة عليه أو التساهل معه. على الدولة
ـ أن تسعى إلى تخريج أعداد كافية من الأطبّاء بحيث يصبح بمستطاع المريض الوصول إلى طبيبه بشكل أسرع والطبيب إعطاء الوقت الكافي لمريضه والعمل في ظروفٍ أقلّ إجهاداً وأكثر أيجابيّة.
ـ أن ترجع إلى مساعدي الأطبّاء حين تقوم بالتخطيط لتحديث الإجراءات الروتينية في المستشفيات وذلك بهدف الإستفادة من خبراتهم لا تهميشهم كما يحصل حاليّاً.
ـ أن تطوّر البرامج التعليميّة في جميع المراحل وخاصّةً الجامعيّة منها بناء على نتائج الدّراسات والأبحاث الحديثة وأن تدخِل مواضيع حياتيّة تساعد الإنسان على تخطّي مشاكله للقيام بدوره الطبيعيّ في الحياة على أكمل وجه.
ـ أن تجد الحلول للتخفيف من حدّة التنافس في مجال القبول في كلّيات جامعيّة ذات صلة بمجال الطبّ وأن تسعى لزيادة فُرص العمل وخفض نسبة البطالة.
ـ أن تخطّط لتفعيل عمليّة الإندماج الإيجابية في المجتمع ليببتعد المهاجر عن خلق كانتونات خاصّة بالعرقيّات المختلفة بحجّة أنّها توفّر له الأمان وتخفّف من شعوره بالغربة.
للقائمة تتمّة …. وللحديث تتمّة