بقلم: خالد بنيصغي
إذا كان السؤال هو : هل مطالب «حراك الريف» مشروعة ؟؟ فإن الجواب لايتطلب كثيرا من الوقت والتفكير ، لنقول إنها بالفعل مطالب مشروعة ، بل ويجب على الحكومة وجهاز الدولة ككل ، التحرك بسرعة لتفعيل وتسريع المشاريع الكبيرة التي تم الإعلان عنها سابقا .. لكن في المقابل فإن « حراك الريف» لم يسلم من أخطاء فادحة وانزلاقات كبيرة وخطيرة ، لذلك يمكننا أن نوجز ما يجري على الساحة على النحو التالي :
1 –لا يختلف مغربيان اثنان في أن مطالب الريفيين مشروعة ومعقولة لأنها مطالب اجتماعية واقتصادية ، من مثل بناء مستشفى جامعي الذي من شأنه أن يُغْني الساكنة من التنقل نحو مدينة فاس أو الرباط من أجل تشخيص أو متابعة الأمراض المستعصية، ومن المطالب أيضا ربط « الدواوير» والقرى والنواحي بالمدن الكبرى للمنطقة وفك العزلة عنها ، إضافة إلى إقامة مشاريع ضخمة لتشغيل الشباب العاطل ….
وفي هذا الصدد لابد من الإشارة إلى أمريْن اثنيْن : أولهما أن هذه المطالب لا تخص المنطقة الريفية بمفردها، بل إن هذا الأمر شامل للعديد من مناطق المغرب ، مما أدى إلى مشهد متفاوت بين مغرب « نافع» ومغرب «غير نافع» … وثانيهما هو أن من بين مطالب الريفيين هناك مشاريع بالفعل هي في طور الإنجاز أو هي على وشك الانتهاء منها ، ولذلك على الدولة تَحَمُّل مسؤوليتها وفتح تحقيق في التلاعبات والاختلاسات التي شابت سيْر هذه المشاريع مما أدى إلى تأخرها أو تعطيلها أو إخراجها على غير قيمتها الحقيقية ، ومن ثمة على الدولة معاقبة المسؤولين مهما بلغت درجاتهم ورتبهم ، لأن هذا المشكل هو جوهر الاختلاف بين الشعب والمسؤولين في الحكومة ، وهذه هي « الحكرة» التي يشعر بها المغاربة، والمتمثلة أساساً في معاقبة الضعيف بسرعة البرق ، دون معاقبة المسؤولين الكبار الذين يتورطون بالدليل والحجة في اختلاس أموال الشعب أو السطو على خيرات البلاد دون محاسبة أو رقيب … وهذا سبب كافي للدفع بجل المغاربة إلى التسيّب في عدم الامتثال للقانون .. والتعامل بالمنطق الخاطئ « لماذا أعاقّبُ أنا الفقير، ولا يعاقب المسؤول والغني؟؟»
2 – خروج منطقة الريف للاحتجاج والمطالبة بتحسين ظروف العيش أمر يكفله الدستور لهم ولكل مغربي في إطار السِّلْمية ، لكن وللأسف ما وقع في الريف لم تتوفر فيه هذه الشروط بالشكل المثالي، بل اختلط فيه الحق بالباطل ، ومن ثمة كانت هناك مجموعة من الانزلاقات من مثل عدم رفع العلم المغربي في هذه المظاهرات والاحتجاجات ، بل والأدهى من ذلك هو رفع علم مشبوه يَسِمُ المنطقة ب «جمهورية الريف» وهذا طبعاً أمر مرفوض بالمرة ، وللأسف لا زالت الاحتجاجات لحد الساعة تُصِرُّ على اتباع نفس الطريقة بعدم حمل العلم المغربي وحمل الراية المشبوهة … وهذا تعنت يُقَوِّض عمل ومطالب هذه الساكنة ، لذلك فالدولة تعمل – حسب ما يبدو – على متابعة هذه الفئة القليلة والتي ربما هي مأجورة من جمعيات وهيآت خارجية تُكِنُّ العداء للمملكة المغربية ، ومن الطبيعي أن تدافع الدولة على ركائزها ، وتثبيت الأمن والاستقرار ..
3 – المناداة بإطلاق سراح المعتقلين من طرف المحتجين مطلب غير منطقي لأن تركيع الدولة أمر غير مقبول ، نحن مع الإطلاق الفوري للمعتقلين الأبرياء ، بل ونطالب الدولة بتعويض مادي لهم لجبر الضرر الذي لحقهم جراء الاعتقال، لكن إطلاق سراح المعتقلين المتورطين في زرع الفتنة ، أو الاعتداء على أملاك الغير، أو الاعتداء على الأمن المغربي بالحجارة وغيرها ، أو رفع العلم المشبوه لجمهورية الريف، أو توقيف خطيب الجمعة وعرقلة الشعائر الدينية … فهذه أمور لا يقبل المنطق بالتهاون فيها أبداً ..
4 – على الدولة أن تسرّع المشاريع المُدْرَجَة ، وتُراجِع سَيْرها في كل ربوع المملكة ، ومعاقبة المسؤولين المتورطين في أي اختلاس أو تعطيل أو تلاعب في هذه المشاريع ، لأن الأخبار تأتي وللأسف محزنة ومخزية ، والأرقام مُهْوِلَة في حجم الاختلاسات والتلاعبات التي تطال هذه المشاريع ، مما يؤدي إلى الاغتناء الفاحش لهذه الفئة التي من المفروض أنهم « خدام الدولة « وعليهم الرفع من قيمة الوطن بين مصاف الدول ، وتحسين حياة المغربي وتَيْسيرها ، بدل الاهتمام بالاغتناء الفاحش على حساب أموال الشعب المغربي ..
5 – أعتقد أنه حان الوقت لحل العديد من الأحزاب السياسية التي لم تعد مُجْدِيَة على الإطلاق ، بل إنها أصبحت مصدر قلق وإزعاج للوطن والمواطن ، فبعدما خفت بريقُها ولم تعد لها أية قيمة ، أصبحت تدفع إلى الإضرابات والاحتجاجات وتأجيج الأوضاع والركوب على أي خلل حكومي تظن أنه سيعيدها إلى كسب أصوات وتعاطف الناس .. ثم إن المغرب لا يحتاج إلى كل هذه الأحزاب الكثيرة التي ترهق بدورها خزانة الدولة دون طائل أو منفعة، المغرب يكفيه خمسة أو ستة أحزاب على أكبر تقدير .. بدل ما يناهز الثلاثين حزباً اليوم .؟؟؟
وبعد .. نحتاج إلى مصالحة حقيقية وشاملة مع الذات أوّلاً، ومع القوانين المغربية التي يجب أن تجري على الجميع دون أي تمييز، نحتاج إلى العدالة الاجتماعية والرفع من قِيَمِنا الأخلاقية، علينا أن نحارب المفسدين واقتصاد الريع، علينا اقتسام الثروة المغربية بالعدل .. وما ذلك بصعب أمام الإرادة القوية للدولة والمواطنين .. وعاش المغرب آمناً مستقرّاً رغم كيد الكائدين وخيانة الخائنين .. ودمتم بود.