بقلم: الاب / فريدريك اليسوعي
تكلمت في العدد الماضي عن الأدلة التاريخية والأثرية التي تثبت باليقين ألوهية السيد المسيح، ولا يمكن تجاهلها أو التغاضي عنها في سياق استقامة البحث والحيادي لدى أي باحث نزيه يبحث عن الله ومنَّ يكون، واليوم سوف استكمل باقي الأدلة التي تستند عليها الكنيسة بصفة عامة في تثبيت أركان إيمانها القويم المستقيم ومن أهمها:
أ- الأدلة العقلية ومنها:
1- شجاعة التلاميذ وسرورهم الذي يؤكد قيامة المسيح من بين الأموات والذي لو لم تكن حقيقة واقعة وملموسة لبدت عليهم علامات اليأس والفشل وتشتت شملهم وانقطعت أواصر الصلة بينهم وعاد كل منهم إلى ممارسة مهنته أو حرفته الأساسية، وهو ما لم يحدث بل على العكس حيث نرى ووفقاً للتاريخ أنه في اليوم الثالث الذي قام فيه السيد المسيح من بين الأموات ظهرت على كل التلاميذ علامات النصر والفرح الذي لازمهم طيلة أيام حياتهم وخدمتهم على الأرض، على الرغم مما كانوا يتعرضون له من اضطهاد ينادون بكل جرأة بقيامة المسيح أمام اليهود والرومان وغيرهم من الناس، حتى أن بطرس الذي أنكره بدافع الجبن والخوف أصبح ينادى بأعلى صوته أمام رؤساء الكهنة بهذه القيامة وبأنهم أجرموا بصلب السيد المسيح الذي قام في اليوم الثالث من موته، كما قال لهم منتصراً على الموت.. الأمر الذي يدل على حدوث هذه القيامة باليقين الدافع، وأن كهنة اليهود كانوا يعرفون هذه الحقيقة كل المعرفة.
2- إصرارهم على الشهادة بقيامة المسيح: لو كانت قيامة المسيح فعلاً مختلقاً كما يقول المعترضون لكانت عبارات الشك والريبة والتلعثم قد ظهرت في أحاديث التلاميذ عنها وهو ما لم يحدث بعد أن رأوا بأم أعينهم وجود السيد المسيح في وسطهم، حيث تكلم معهم وباركهم وعايشوه ولمسوه بكل تفاصيله كما كانوا يعرفونه سابقاً، الأمر الذي يدل على أن قيامته حقيقة واقعة عرفها كل الناس في ذلك الوقت حتى أنه لم يكن هناك داع لإثبات صدقها بأي دليل أو برهان.
3- وضعهم لقيامة المسيح كأساس للإيمان المسيحي: وذلك من خلال وقوفهم إزاء قيامة المسيح موقفاً حاسماً قاطعاً .. حيث قال أحدهم بوضوح لبعض المؤمنين: «ولكن إن كان المسيح يُكرز به أنه قام من الأموات، فكيف يقول قوم بينكم إن ليست هناك قيامة أموات؟ فإن لم تكن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام! وإن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتُنا وباطل أيضا إيمانكم، ونكون نحن أيضا شهود زور لله لأنه إن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم وأنتم بعد في خطاياكم ويكون الذين رقدوا في المسيح أيضا قد هلكوا .. ولأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع.
4- شهادة بولس الرسول: الذي كان من أشهر علماء الفلسفة والدين عند اليهود وتحوله للمسيحية مجاهداً في سبيلها، وشخص مثله لا يمكن أن يقوم بالتحول عن عقيدته الأولى إلى المسيحية دون فحص أو تدقيق خاصة وهو من المثقفين الكبار الذين يتمتعون بمكانة مرموقة في أمته، وجاءت شهادته عن قيامة المسيح بناءاً على ظهور السيد المسيح له بمجده السماوي في وضح النهار بشهادة من كانوا معه من رفقاء الطريق.
5- كمال المسيح وتقوى تلاميذه ونزاهتهم: كان المسيح كاملاً كل الكمال وتلاميذه كانوا على درجة عظيمة من التقوى وهو ما ينفي عنهم شبهة أن يكونوا قد لفقوا حادثة قيامة المسيح بأي شكل من الأشكال.
6- انتشار المسيحية: لو لم يكن المسيح قد قام من بين الأموات لما قامت للمسيحية قائمة ولما فكر أي إنسان في اعتناقها على الاطلاق.
7- شهادات بعض علماء اليهود وغيرهم عن قيامة المسيح: وهي عديدة وسنكتفي بعرض البعض منها حيث قال الحبر اليهودي كاوزنر في كتابه «يسوع الناصري» من المحال أن نفترض وجود خدعة في أمر قيامة المسيح .. لأنه لا يصح أن تظل خدعة 19 قرناً .. نظراً لأن القائل كان يعيش في القرن التاسع عشر حينما خرج بكتابه المذكور.
كما قال وستكوت: « لا توجد حادثة تاريخية واحدة دعمتها أقوى الأدلة أكثر من تلك الأدلة التي دعمت وتدعم قيامة المسيح.»
وقال دكتور ديني : «لا مجال للشك في قيامة المسيح بعد أن غيرت يوم الراحة الذي كان اليهود يتمسكون به بكل شدة».
وقال تيودور: «لو كان حماس التلاميذ هو الذي ولَّد الاعتقاد بقيامته لديهم، لكان هذا الحماس قد برد شيئاً فشيئاً حتى وصل إلى درجة الخمول والجمود، لكن إذا كان ظهوره لهم بعد موته هو الذي بعث فيهم النشاط المتواصل في ميدان خدمة الانجيل فلا ندحة من التسليم بأن ظهوره لهم بعد قيامته كان امراً حقيقياً وليس خيالياً.»
وقال ستروس أحد أرباب النقد: «لو كان المسيح قد أنزل عن الصليب قبل أن يموت كما يدّعي البعض ثم استطاع بعد دفنه أن يخرج من القبر بوسيلة ما، لاحتاج لمدة طويلة من الزمن للعلاج، ولعجز أيضا على بعث الايمان في تلاميذه بأنه انتصر على الموت وعن توليد القدرة فيهم للمناداة بالإنجيل في كل مكان رغم الاضطهاد الذي كانوا يعانون منه في كل مكان.
وقال د. توماس الذي كان استاذاَ للتاريخ في جامعة اكسفورد : «لم أجد خبراً أجمع على صدقه كل الأشخاص المحايدين مثل خبر قيامة المسيح لتقديمه لطلابي بقسم التاريخ».
وقال السير ادوارد كلارك أحد كبار رجال القانون: «إذا كان الشاهد الصادق هو الذي يتجلى في بساطته وثباته وترفّعه عن التأثر بالحوادث المحيطة فإن شهادة الإنجيل عن القيامة تبلغ هذه المرتبة من الصدق وإني كمحام أقبلها دون قيد كشهادة رجال صادقين على حوادث أمكنهم إثباتها بحجج لا سبيل إلى التشكيك فيها».
إلى هنا عزيزي القارئ ولضيق المساحة أستودعكم الله على وعد بأن اقوم باستكمال ما تبقى من أدلة روحية على ألوهية السيد المسيح في العدد بعد القادم والصادر بإذن الله في منتصف يناير من العام الجديد 2020 متمنيا للجميع بمنسابة عيد الميلاد المجيد للسيد المسيح كل نعمة وبركة وصحة وسلام.