بقلم: كلودين كرمة
ابحثوا معى عن السلام لعل احدا يجده فيدلنا على سبيله… تشتاق نفسى اليه وتنشده.. نعم تعبت من الاضطراب والقلق والخوف ؛ وانكسرت من عنف أمواج الظلم ؛ وتشوش فكرى من خداع الأحباب ومكيدة المنتفعين ونفاق المخادعين . فنادر ان بقى حب بلا ألم ، أو ذكرى دون دموع، أو معزة دون جرح ؛ ويستحيل ان يشرد الذهن دون أن تدمع العين او يدمى القلب.. لقد اختلط الصالح بالطالح واختلطت البهجة بالأسي والجمال بالقبح والسعادة بالشقاء و السرور بالشجن..
فأين لى أن أجد للصفاء مقرا وللنقاء قلبا وللمسرة ملامح وللبسمة شفاه وللغبطة قلب وللنشوة عيونا وللبشاشة وجها. لقد تاقت نفسى واشتاق فؤادى لصدق المشاعر وصفاء النية ووضوح المقصد ؛ أين الرفعة والنبل أين التضحية والبذل ؟ فتشت فلم أجدهم إلا كلمات فى أبيات وسطور فى صفحات قد تحول لونها وتناثرت اطرافها من قدم الزمن ولم يعد لها مقام ولا معنى فأصبحت من وحى الخيال يحكى عن اساطير لا وجود لها إلا فى ذهن من نثرها. كيف لنا أن ننادى بالسلام والاستقرار ونطلبه من قلوب قد تحجرت ونفوس قد تحولت و نظارات قاسية تشتهى ماليس لها وتطمع فيما لغيرها وأيادى خاطفة لا تمتد إلا لتأخذ وتبخل بالعطاء !؟ إن نقمة البخل أصبحت الصفة السائدة وانقلبت الموازين وبدلا من ان نتقاسم الفرحة لتكبر اصبحنا نخشى مشاركتها لئلا تذهب عنا بعيدا وكأن سعادة الناس تحزنا وصحتهم تمرضنا وغناهم يفقرنا ، وأصبحنا نضن حتى بالمجاملات والكلام الطيب والبسمة ولا نمد أيد حانية لنرفع بها من سقط ولا نشد أزر من جار عليه الزمن وظلمته الأيام وتخلى عنه الخلان. ويل لمن يعطش ولا يجد من يرويه ولا نبع يسقيه فيجف قلبه ويفقد رجاؤه و يضعف عزمه وتيأس روحه ؛ فمن يدواى الجروح ويبعث الروح؟ وكل العجب أن نرفض من قبلنا ، و نحول وجوهنا عن من حن ونظر الينا ، و فى وقت ضعفنا شددنا وأخذ بيدنا، ووقت شدتنا انتشلنا وألبسنا طوق النجاة.. فياله من شقاء ! تعيس من أعطى من قلبه حتى نضب نبعه وعند احتياجه فلم يكن من يهتم او يلتفت إليه ! والأعجب عندما يتوقف عن العطاء تنهال عليه الاتهامات وتدور حوله التساؤلات وترصده العيون بغضب وتتهكم عليه الألسنة.. وكأن محبته وعطاؤه كان فرضا وليس على سبيل حب الخير للغير وشهوة اسعاد الآخرين حتى ترتاح نفسه اذ أصبح عونا وسندا. يقولون أن الحياة ‘ أخذ وعطاء ‘ فلا بد من التبادل فى المشاعر مثل الماديات ولو لم يكن هذا التبادل بنفس القدر من الطرفين ، ولكنه يعزز الشعور بالرضى والحب ويدعم العلاقات ويظهر المصدقية فى أبهى صورها فيطمئن المرء وتهدأ نفسه فينعم بالسلام فيمتلأ محيطه بالسعادة وتزداد الثقة ويستمر بالعطاء عن رضى .. ويعمل الجميع على تحقيق الأهداف بمنتهى الدقة والأمانة فيتغير وجه مجتمعنا اذ يبحث كل إنسان عن مصلحة الآخر أيضا وعندئذ لا يشعر أحد بالخوف أو القلق على غده ، ويكون آمنا على نفسه وذويه فيبتعد عن السلوكيات البغيضة مثل الرشوة والسرقة والظلم والبخل الخ….
عندما يسعد الإنسان و يستشعر الاهتمام والمحبة و يختبر صدق الوعود تثبت اقدامه فى طريق الحق ويتطلق بخطى واسعة نحو مستقبل اكثر اشراقا عازما على العمل بجد وإخلاص حتى يشعر بقيمته الإنسانيه حين يتيقن ان له القدرة على الإنتاج و تحقيق النجاح كل فى مجاله وأيضا له دور فعال فى التطوير ، فهذا من شأنه ان يدفعه إلى الابتكار و الابداع.
ومن هنا تبدأ انطلاقة جديدة لمجتمع يحى ماضيه بفخر ، ويعيش حاضره بصدق ، ويبنى مستقبله بعزم وإصرار. “ قم بواجبك وأكثر قليلا وسيأتى المستقبل من تلقاء نفسه “. فهل هذا حلم يصعب تحقيقه ؟ الصدق والعمل والمودة ويسودهم العدل مع الرحمة هم من ابسط الطرق المؤدية لنعيم الحياة ولتثبيت اركان السلام فى عالمنا. “سلام لكم ونعمة تفيض بخيرها عليكم”