بقلم: نعمة الله رياض
هبطت طائرة مصر للطيران في مطار شارل ديجول بباريس قادمة من القاهرة. غادر الركاب الطائرة، لاحظت المضيفة أن راكبا ما زال جالسا علي مقعدة، ذهبت إليه لتوقظه لكنها إكتشفت وفاته! صرخت منادية قائد الطائرة ورجل الأمن.. من الأوراق التي معه علموا انه سامح فهمي الأسيوطي.
حضر والداه علي عجل لباريس حيث أشرفا علي نقل الجثمان لدفنه بالقاهرة. كانت الجنازة مهيبة، حضرها مئات العاملين بشركات المهندس / فهمي الأسيوطي، رئيس مجلس إدارة مجموعه من الشركات الصناعية والتجارية الكبري. في المدفن الخاص بالأسرة ألقي الوالد خطبة مؤثرة ينعي فيها إبنه الوحيد, وهو يبكي بمرارة ولوعه لمصابة الآليم. بكي معه الجميع من الرجال والنساء.
المهندس/ سامح في الثانية والثلاثين من عمره، كان قد تخرج من الجامعه الألمانية بالقاهرة وبدأ عمله في شركات أبيه بهمة ونشاط وإبتكر حلولا جريئة لمشاكل كثيرة في العمل تقنية كانت أو إدارية، وكان محبوبا من العاملين، يأكل معهم ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم وتوقع الجميع له مستقبلا باهرا، وعلق الوالد آمالا كبيرة أن يخلفه إبنه الوحيد في إدارة شركاته بكفاءة ونجاح.
كان سامح وسيما للغاية، طويل القامة، رياضي الجسم، خفيف الظل، لا ينقصه مال أو جاذبيه، تتهافت عليه فتيات المجتمع الراقي. لكن يالرغم من ولعه بالنساء، لم يقم علاقات عاطفية مع أي من الموظفات اللاتي يعملن في شركات أبيه، وإقتصرت علاقاته الخاصة بفتيات وسيدات خارج مجال العمل وكان يصرف ببذخ في سهراته الخاصة وإنخرط في علاقات عاطفية وجنسية متعددة , كانت
اسوأها تلك العلاقة مع أوليانا ماكسيم وصديقها فلادمير بافل، تعرف عليهما بحكم تعاملهما معه بصفتهما ممثلي توكيل شركة روسيه لتوريد بضائع هندسية. لفتت أوليانا إهتمام سامح بجمالها الصارخ وقوامها الفائر ونظراتها المغرية وسرعان ما وقع في حبائلها ودعته لسهرة في شقتها المفروشة بالقاهرة والتي تسكنها مع صديقها فلادمير في فترات حضورهما للقاهرة للعمل. توطدت صداقتهم، وتعددت زيارته لمسكنها وكان يغمرها بالهدايا الثمينه والزجاجات الكحولية الفاخرة.
عرضت عليه ذات مرة أن ترقص هي وصديقها أمامة رقصة من الفلكلور الروسي، رحب وأبدي إشتياقه لرؤيتها ، رقصا أمامه رقصة التريباك وأدياها بحركات قويه رشيقة وبايماءات حسية واضحة المعني علي وقع موسيقي ايقاعية ممتلئة بالنشاط والحيوية. وفي المشهد الأخير من الرقصة, ألقت أوليانا بنفسها في احضان فلادمير الذي حملها علي ذراعيه وسار بها بعيدا.
تعمد فلاديمير بعد ذلك أن يترك سامح مع أوليانا بمفردهما متعللا بعمل مهم لابد من انجازه في الخارج، فبدأت بذلك علاقة ساخنه حميمة مع أوليانا. كانوا يشربون الخمر بإفراط وبدأت أوليانا تغريه بإستنشاق الهيروين معها، وأقنعته انه سيشعر بالإنتعاش والنشوة كما لم يشعر في حياته من قبل. رضخ لدعوتها تحت تأثير انوثتها الطاغيه. وبدأت رحلته للإدمان، فوصل لحالة عدم الإستجابة للجرعة التي يستخدمها، وعمل على زيادة الجرعة ليؤدى ذلك إلى نفس الشعور بالنشوة التى كان يحققها فى الجرعة الأولى. وهكذا لم يستطع التحكم في نفسه لوقف تدهور حالته. وفي الايام القليلة التي يذهب فيها للعمل، كان يعاني من قلة
التركيز ويغمض عينيه وتسقط رأسه أمام سكرتيرته التي تعرض علية البريد وخطابات العمل، وعندما لاحظ أن السكرتيرة ترقبه، كان ينفعل ويصرخ في وجهها ويأمرها بمغادرة مكتبه علي الفور، فتهرول السكرتيرة خارجه والدموع تطفر من عينيها حزنا علي حاله.
أصبح سامح مقيما” مع أوليانا وصديقها في الشقة المفروشة التي يغيروها بصفة مستمرة لأسباب أمنية، وكان يغيب عن العمل لأيام وأحيانا لأسابيع وعندما يعجز رجال الأمن الذين يكلفهم والده بالبحث عنه، كانوا يضطرون للبحث عن أوليانا ماكسيم ومقر إقامتها عن طريق الإتصال بالشركه الروسية التي عندها هذه المعلومة، وهناك يحملون سامح نصف نائم أو في غيبوبة إلي السيارة.
عندما يستيقظ في منزله، كان يبكي كالطفل علي كتف أبيه ويقول له انه عاجز علي إنقاذ نفسه من سحر أوليانا وإدمانه للهيروين. كان الوالد ينفطر حزنا علي حال إبنه وكان من الصعب علي الوالد مواجهه أوليانا، فقد علم من مخبريه أن لها علاقات قوية بشبكه المافيا الروسيه التي تمدها بالمخدرات وتحميها أينما ذهبت. كان الحل المتاح أمامه، هو إرساله للعلاج من الإدمان في الخارج وإبعاده عن تأثير أوليانا، فأرسله إلي مستشفي اولجا لعلاج الإدمان بشتوتجارت بالمانيا فتحسنت حالته كثيرا وعاد لمصر متورد الخدين لكنه سرعان ما رجع لأحضان أوليانا وسقط مجددا في بئر الإدمان.
في المرة الأخيرة، تعاقد والده مع مركز دونا نوفا لعلاج الإدمان في باريس ودع الوالد إبنه في المطار وضمه إلي صدره وهو يبكي بحرارة .
قبل وصول الطائرة لباريس، ذهب سامح إلي دورة مياة الطائره وأخرج من جيب سترته كيس صغير يحتوي علي أنقي أصناف الهيروين، هدية من أوليانا، كانت الجرعة التي استنشقها كبيرة. خرج متحاملا علي نفسه وسقط علي مقعده وأغمض عينيه وهو يتنفس بصعوبه.
إنتهي فعليا فهمي الأسيوطي منذ صدمة وفاة إبنه القاسية، وأصبح جثة متحركة
بلا إدراك لما يجري حوله. كلف زوجته وعدد من أقاربه بإدارة أعمال شركاته، كان أول قرار إتخذته زوجة فهمي هو الإنسحاب من التوكيل الذي تعمل فيه أوليانا وصديقها الروسي.
أما فهمي فكان يطلب من سائق سيارته التوجه للمقابر كل بضعة أيام ليزور قبر إبنه، كان يجلس بلا حراك يناجي إبنه. لكن السائق لاحظ شيئا غريبا لم تصدقه عيناه، فقد رأي الوالد ينتحب، ثم يحتضن الهواء بذراعيه وهو يضحك ضحكات هستيرية! . ثم ينتحب مرة ثانية وبصوت عالي… !!