بقلم: كلودين كرمة
انادى وانتظر .. انادى واتمنى.. انادى وألتمس ان اسمع ولو هاتف من بعيد يجيب ندائى..
لقد تعبت من البحث بمفردى و مللت من النداء فى صمت..فعزمت ان ارفع صوتى لعل هناك من هو مشتاق مثلى فينضم إليَ ويقوي صوتى ويشد عزمى فيبث فى الامل ويعيد الى الحياة وتعود فتبرق عيناى بعد ان اذهب بريقها اليأس و الخنوع.
أنادى بكل ما اوتيت من عزيمة وإصرار.. وابحث عن قيم تلاشت ومشاعر اندثرت و ومفردات تفككت احرفها ففقدت معانيها.
افتش فى لهفة عن الصدق والحب والمودة والتعاطف ..اتعطش الى الرقى فى الفكر والمضمون وحبذا لو يرى هذا بالعين المجردة فى المظهر والسلوك.. وانى لا اطيق صبرا حتى اري الناس وكأنهم صحبة من الورود تنسجم مع بعضها رغم اختلافها فيبعثون فى النفس البهجة ويرسمون البسمة فتعلو الضحكات معبرة عن فرط السعادة التى تنبع من تمام الثقة والشعور بالأمان والجمال .
كيف يتسنى لى ان اعيش وأنا افتقد الى ينابيع الحياة .. كيف احقق ذاتى واستثمر مواهبى وأفيد مجتمعى واخدم من هم فى حاجة لى من حولى ، وأنا لا اقوى على الوقوف على ارض صلبة؟! وكيف الى ان اتقدم فى حياتى والأرض تهتز تحت قدمي!
و هل يسهل عليَ الثبات فى الفضائل وأنا اسير ضد التيار فى بحر هائج لا يخضع لقوانين الطبيعة ويصعب السيطرة عليه بثوابت العلم والملاحة؟
انى اتسائل وأنا اشعر بمرارة فى نفسي هل تغير الانسان- وان كان للأفضل فهذا بالطبع لا يشعرنى بالألم – لكن بالأحرى بالفخر- هل تغيرت المعطيات بمبادئها السامية وهل تم مسخ صورة الانسان وتغيرت ولم تعد لها ملامح واضحة ومحددة تنم عن ما يجب ان يتميز به عن غيره من المخلوقات!
هناك مواصفات ثابتة تتحلى بها النفس البشرية ويحميها الفكر السليم و يحتويها الضمير ويصونها المجتمع وتصر عليها التقاليد وتضيف اليها العادات الاصيلة والأخلاق النبيلة.
بداخلى حيرة وغيرة .. حيرة لانى انظر من حولى فأرى وجوهاً لا اعرفها وقلوباً فارغة وأفكاراً متناثرة رغم ان اصحاب هذه الوجوه كانوا فى زمن غير الزمن اقرب وأحب الشخصيات الى قلبى.. و الغيرة التى تتملكنى بسبب ما كان عندى وفقدته من دفئ المشاعر والشعور بالسعادة غير المشروطة لمجرد النظر الى ملامح آلفتها وأحببتها وعيون بنظراتها يملأنى الامل وكلمات بهمساتها اعلو فوق قمم الاحزان والأوجاع.
فهل هناك فائدة من النداء لاستعيد اصحاب الوجوه المحبوبة والمشاعر الدافئة والنظرات الصافية حتى تحلو لى الايام واشعر انى انسان . ام اعيش فى صمت ولا اندم على ما فات وأتناسى الذكريات فالحلو كالسيئ فيها يثير الاشجان ، وهل ممكن للإنسان ان يعيش بدون ذكريات فى حاضره المؤلم ومستقبله الذى يلوح له من بعيد ولا يعلم ما تخبأه له الأقدار؟ فأية حياة هذه التى تتوالى فيها التنهدات فتسرق الفرحة من القلوب والأحلام من العيون والنوم الهادئ من الجفون!
ولكن وسط الغيوم نرى شعاع الشمس يحاول ان يشق ببريقه الظلام فهناك دائما بصيص من الامل فى ضحكة طفل صغير تخترق القلوب ببراءتها فننسى حتى اعمارنا وننطلق لنشاركه دنيته الصغيرة التى يزينها بنظراته التى تعكس صفاء المشاعر ونقاء الفكر اذ انه لا يخبئ فى قلبه غير ما يبتغيه ويصر على الحصول عليه بدون كلل ولا ملل.
فان كنا نريد الاستمرار فى الحياة كأحياء فلا بد لنا ان نجد مسلكا حتى نخرج من هذه المتاهة المظلمة الى الرحب المضيء وان نثبت على مبادئنا وقيمنا ونثبت صحة معتقداتنا ونمضى قدما فلا نتوقف فتسبقنا الحياة وتتسرب من بين ايدينا امانينا ونشكو فلا نجد من يغيثنا.
فتكرار المحاولات ليس بعيب وحتى التعرض للفشل ليس هو نهاية المطاف انما الكف عن الصراع مع الحياة حتى نصل الى ما نبتغيه هو الموت بعينه فان قررنا ان نفصل ذاتنا عن ايامنا او ان عزمنا ان نندمج مع من حولنا وما يلاحقنا فهذا القرار لنا وحدنا ولا يصح ان ندين احد او نعتب على الاحباب و الاصحاب فلنتقوى اذا ولنثبت لأنفسنا انه برغم الشعور بغربتنا فى هذه الحياة انما نستطيع الصمود والاستمرار وتحقيق الانجازات والنجاحات.