بقلم: سليم خليل
قبل العملة الورقية كانت العملات المتداولة معدنية وكانت قيمة العملة تقدر بقيمة المعدن المصنوعة منه مثل النحاس والفضة والذهب وكان حجم ووزن العملات شبه موحد لأن صك العملات كان في مدن وقرى مجاورة لمناجم تلك المعادن وكان الإنتاج بدائيا ويدويا .
في التاريخ الحديث اشتهرت مدن لوجود مناجم معادن ثمينة بجوارها وكانت تسكب العملات المعدنية حسب الطلب من بلدان مختلفة مثل مدينة بولوزي في بوليفيا في أميركا الجنوبية التي ازدهرت ثم أفلست وهُجرت بعد نفاذ الفضة من مناجمها في مطلع القرن السادس عشر .
مثل مدينة بولوزي في بيوليفيا هناك قرية في جبال بوهيميا في شرق تشيكوسلوفاكيا على الحدود الألمانية تدعى – جاكيموف – التي كانت غنية بمناجم الفضة ؛ اشتهرت في مطلع القرن السادس عشر بسكب العملات الفضية وفيها تم تصنيع – أول دولار أميركي من الفضة – وذلك عام – ١٥٢٠ – أي منذ خمسمائة عام بالتمام وبوزن ٢ ر٢٩ غرام ؛ الوزن المتعارف عليه في أوروبا وليكون تداوله سهلا بالنسبة لباقي العملات الأوروبية المسكوبة في ذات المنطقة ؛ وكانت صورة جورج واشنطن على وجه وصورة أسد بوهيمي على الوجه الآخر .
أما كلمة دولار فكان مصدرها أنه عندما أكتُشفت مناجم الفضة في منطقة جبال بوهيميا أطلقت السلطة الحاكمة إسم Joachimsthal تعني – وادي يواكيم -تيمُنًا بإسم يواكيم جد السيد المسيح ؛ ثم أطلق رجل الأعمال الحاصل على ترخيص صك العملات في بوهيميا على أول نقد فضي إسم Joachimsthaller ووضع صورته على وجه والأسد البوهيمي على الوجه الآخر ؛ ثم أختُصر الإسم في أوروبا وأصبح – Thaller فقط.
باشر حكام أوروبا بإعتماد شكل ووزن الـ- thaler ليسهل تداوله؛ ثم تغيَر الاسم في السويد والناروج والدانمرك إلى دالار حسب سهولة اللفظ ثم في هولندا أصبح لفظ الإسم – دالر- وتحوًل في إنكلترا إلى دولار وهي الإمبراطورية التي كانت مسيطرة على منطقة أميركا الشمالية .
أما بلدة جاكيموف التي ازدهرت في القرن السادس عشر وكان يعمل فيها ثمانية آلاف عامل في المناجم وسكب العملات ؛ هُجرت مثل غيرها بعد نفاذ الفضة وتلوثت أراضيها بالكيماويات المستعملة لتنقية الفضة.
كان سكان جاكيموف فخورين بإنتاج أول دولار في بلدتهم لكن الهجرة من التلوث غيًرت بالكامل سكان المنطقة ومع مرور السنين نسيت الأجيال الجديدة تاريخ المنطقة نتيجة الحروب الأوروبية وإنتقال ملكية المنطقة للدول الغازية والمنتصرة .
في منتصف الثلاثينات من القرن الماضي ضمّت ألمانيا النازية تشيكوسلوفاكيا وأعادت فتح المناجم حيث اكتشفوا مواداً مشعة -الراديوم- في جاكيموف حيث طوّر الألمان اول مفاعل نووي وإنهارت ألمانيا قبل الوصول إلى القنبلة الذرية .
بعد إنهيار النازية ضمت روسيا تشيكوسلوفاكيا إلى مناطق نفوذها واكتشفت روسيا ما توصل إليه النازيون وتابعوا أبحاثهم وتوصلوا إلى إنتاج القنبلة الذرية .
أرسلت روسيا خمسين ألفا من المساجين السياسيين إلى جبال جاكيموف ليعملوا في المناجم وإستخراج المعادن المشعة لتشحن إلى روسيا ولإنتاج ترسانتها النووية .
بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي في الثمانينات من القرن الماضي استعادت تشيكوسلوفاكيا المنطقة وتم ترحيل الغرباء من ألمان وروس وغيرهم ولا يزيد عدد سكان جاكيموف عن ١٨٠٠ نسمة حاليا .
دخلت المنطقة وتاريخها في النسيان إلى أن وضعت الأمم المتحدة المنطقة تحت الحماية الدولية بإعتبارها المنطقة التي أنتجت اول دولار – العملة الدولية – ومنها أيضا خرج أقوى سلاح للدمار الشامل في العالم.
بعد إعلان الأمم المتحدة – الحماية الدولية – للمنطقة زار سائح المنطقة وأراد صرف الدولار الأميركي الحالي من الورق !!! لم يعرف سكان جاكيموف الدولار لأنهم يتعاملون بالعملة التشيكية والمنطقة شبه معزولة ؛ لكنه عندما زار المتحف المحتوي على أدوات السكب القديمة؛ هناك على صدر القاعة برواز يحمل نموذجا من أول دولار أميركي من الفضة وعليه صورة الرئيس جورج واشنطن.