بقلم : شريف رفعت
أتجول في قسم الخضراوات بمحل الأطعمة العربية في مونتريال. أشاهد سيدة على قدر معقول من الجمال تبدو في منتصف الأربعينات، لا أدري إذا كنت قابلتها من قبل فشكلها يبدو مألوفا بعض الشيء. في محاولة من محاولاتي الدائمة لإنشاء علاقات إنسانية مع الفتيات و النساء الحسناوات أقترب منها و أسألها بالإنجليزية:
ـ سيدتي، هل تتحدثين العربية؟
يظهر على وجهها الإندهاش من غريب يبادرها بالحديث، ترد بالعامية المصرية.
ـ أيوه، في حاجة؟
تتسع إبتسامتي و أقول لها:
ـ وحياتك فين الكسبرة الخضراء؟ ماعنديش فكرة شكلها إيه و لا إسمها إيه بالإنجليزي.
تشير إلى الصندوق الذي به الكزبرة الخضراء و تسأل:
ـ باين عليك ما بـتتسَوَقْشِ كتير.
أرد و قد سعدت بأنها فتحت موضوع للحديث:
ـ فعلا مراتي بتقوم بالموضوع ده.
ثم أضفت بلهجة موحية:
ـ هي اليومين دول خارج البلد عشان كده أنا بأتسوق بنفسي.
ـ لكن كسبرة خضراء؟ ليه؟
كان هذا هو السؤال الذي أنتظره فأنطلقت:
ـ أنا بأحاول إختراع جديد في عالم الأكل، طريقة جديدة لعمل الفلافل.
تنظر لي كأني معتوه و تقاطعني:
ـ إختراع جديد في عالم الأكل؟
ـ فعلا، أنا بأبدأ بعلبة من علب الفول المدمس، أصفيها من مَيــِتـْها و أشطف الفول، ثم أحط الفول و معه توابل زي الملح و الشطة و كثير من الخضراوات زي البصل الأخضر و الشبت و الكسبرة الخضراء في “الفود بروسيسور” و أضرب الخليط ده كويس هي دي عجينة الفلافل إللي أقليها في الزيت فأحصل على فلافل أعتقد أنها ستكون شهية.
زي ما إنتِ شايفة أنا باحِب أجَرَب طرق جديدة، يمكن خلفيتي كمهندس بتساعد على كده، لو الطريقة دي نجحت، و إن شاء الله حتنجح، سأسَمي المـُنـْتج “فوللافل”، واخدة بالك “فوللافل”.
ردت و قد تعمق لديها الشعور بأني معتوه:
ـ فوللافل؟
ـ أيوه، إسم موحي، إيه رأيك؟
صمتت لحظة ثم قالت:
ـ و الموضوع ده بيحصل معاك كتير؟ إنك تخترع في الأكل؟
ـ أنا دايما أحب الإبتكار، واحدة من أفكاري الجديدة إللي أنوي تجربتها ال “دُونـَت فلافل”.
ـ دُونـَت فلافل؟
ـ أيوه، كثير بنلاحظ إن الفلافل التقليدية قلبها نـَـيي، رغم إنها مستوية من برّه، أنا باحاول عن طريق إضافة خرم في وسط الفلافلاية فتصبح دونت فلافلاية إني أخلي عملية الإنتقال الحراري من الزيت السخن خلال العجينة تبقى متجانسة و بالتالي تستوي الفلافلاية أحسن.
لا أدري إذا كانت النظرة على وجهها توحي بالإعجاب أم بالإستهزاء، قلت لها بلهجة تعمدت أن أغلفها بالبراءة:
ـ إيه رأيك لو تتفضلي معايا تتفرجي عَلـَيـّة و أنا باعمل لأول مرة الفوللافل عشان تعرفي النتيجة، و تدوقي منها.
نظرت لي نظرة حاسمة مؤنبة كأنها تقول لي العبارة المصرية التقليدية الشهيرة “يا سـِـم”. ثم قالت:
ـ لأ، أنا حعرف النتيجة من سهير مراتك، معايا ميعاد معاها بكرة الصبح.
ثم أضافت بلهجة ساخرة.
ـ تفتكر تكون رجعت من سَفـَرها؟
ثم إستدارت و إنصرفت. شعرت كما لو كان دورق كبير من الماء المثلج قد سـُـكِب على رأسي. قلت في سري:
ـ يا بنت الحرام، ليه ما قلتيش من الأول إنك تعرفي مراتي.
أعيد حزمة الكزبرة الخضراء لمكانها. أنظر حولي مستطلعا. أشاهد سيدة على قدر معقول من الجمال، تبدو في منتصف الأربعينات، أقترب منها، أبتسم إبتسامة ودودة، أسألها بالإنجليزية:
ـ سيدتي هل تتحدثين العربية؟