بقلم المهندس: هيثم السباعي
تذكير: لا تهدف هذه الدراسة الطويلة نسبياً إلى تخوين أواتهام أحد بالمسؤولية عن ماحدث ويحدث في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي عامة وسورية خاصة. ولكنها تهدف إلى إلقاء نظرة موضوعية عن أسباب هذه الأزمات وتطورها المستمر حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من تدهور وتفرقة وتمزق شمل جزءاً كبيراً من العالم العربي.
نتابع اليوم حديثنا عن العصر العثماني الذي بدأناه بالعدد الأخير.
ث) العصر العثماني (تتمة):
كانت الإمبراطورية العثمانية خلال القرنين الأخيرين من حياتها تعرف بأنها “رجل أوروپا المريض.” وقد وقف التحالف الأوروپي الذي جمع بريطانيا وفرنسا والنمسا وبروسيا ضد محمد علي والي مصر ومنعته من إسقاط النظام العثماني تحسباً من إقامته إمبراطورية عربية عصرية على أنقاضه تكون أشد خطورة على المصالح الإستعمارية في حوض البحر الأبيض المتوسط.
١. منحت فرنسا عام ١٥٣٥ أول إمتياز ما يمكن اعتباره بداية نفوذ فرنسا في الشرق الأدنى نالت بموجبه مغانم تجارية وحقها بحماية المسيحيين عامة والكاثوليك خاصة. تم تجديد هذه الإمتيازات ثماني مرات بين عامي ١٥٣٥ و ١٧٤٠.
٢. منحت روسيا عام ١٧٧٤ حق بناء كنيسة عامة أورثوذوكسية تكون حمايتها من حق السفير الروسي بوصفها حامية الروم الأورثوذوكس….سنحت أمام روسيا التدخل بشؤون تركيا الداخلية.
٣. منحت تلك الإمتيازات البعثات الديبلوماسية الأجنبية قرارات الفصل فيما يتعلق بغير المسلمين تبعاً للمذاهب التي منحت حق حمايتها، فكانت النتيجة أن أضافت إلى التنوع العرقي تنوع طائفي مذهبي ولاؤه إلى دول أجنبية.
٤. مع بداية تشرين الثاني/نوڤمبر عام ١٨٣١ بدأ جيش محمد علي باشا والي مصر بقيادة إبنه إبراهيم باشا زحفه على سورية واجتاز مضيق بيلان إلى الأناضول حتى انتهى إلى كوتاهية قبل نهاية كانون الثاني/يناير عام ١٨٣٣.
٥. أصدر إبراهيم باشا في العام نفسه أمراً بالتجنيد العام في سورية كلها، فقامت بوجهه الثورات وانتشرت الإضطرابات في معظم أنحاء سورية، فقام في عام ١٨٣٥ بنزع سلاح اللبنانيين من الدروز ثم المسيحيين كما شرع بتجنيد الدروز على يد الأمير بشير الشهابي الثاني.
٦. تميز عهد إبراهيم باشا الأول بالرضى والإمتنان حتى من قبل المسيحيين واليهود لتخفيفه الأعباء المالية وتنشيط الزراعة والتجارة والإصلاحات الإدارية التي أدخلها. لكن هذا لم يدم طويلاً عندما عاد وفرض “الفردة” التي يؤديها كل رجل بصرف النظر عن مذهبه وبدأ بابتزاز البلاد، فثار عليه السوريون.
٧. استغلت نقمة الناس هذه من قبل العثمانيين والدول الأوروبية الرافضة لقيام دولة فتية وقوية في سورية والطامعة في نفس الوقت باقتسام التركة العثمانية أو “الرجل المريض.” يضاف إلى ذلك العداوة التقليدية بين إنكلترة وفرنسا حليفة محمد علي باشا، وكلتاهما تعملان على الإستيلاء على سورية، الأولى لتأمين طريقها إلى الهند والأخرى لقطعه على أعدائها.
٨. خرج المصريون من جميع الأراضي السورية عام ١٨٤٠ وابتدأت معه أولى حركات الإقتتال الطائفي المؤسف في جبل لبنان بين أبناء الوطن الواحد الذين عاشوا قبل هذا التاريخ بوئام تام، وذلك بتشجيع من العثمانيين وإنكلترة وفرنسا، والذي انتهى بعام ١٨٦٠ بتدخل الدول الأجنبية عامة وفرنسا عسكرياً، فكرست بذلك النظام الطائفي الحالي.
٩. تثبت سجلات وزارتي الخارجية الفرنسية والبريطانية أن تلك الحرب لم تكن مجرد حرب أهلية بل كانت جزءاً من المسألة الشرقية.
١٠. في الحقيقة لم أبحث عن مصدر يبين تاريخ سلخ مدن ماردين وديار بكر وأورفة عن سورية وضمها إلى تركيا.
١١. تم سلخ لواء إسكندرون عام ١٩١٩ باستفتاء مزور أشرفت عليه دولة الإنتداب فرنسا بمخالفة صارخة للقوانين الدولية التي تمنعها من التخلي عن أي جزء من الدولة المنتدبه لحمايتها رغم تقرير لجنة كينغ – غرين التي أرسلها الرئيس الأميريكي وودرو ويلسون واختفت بأدراج الرؤساء والتي أكدت أن السوريون يريدون بقاء بلادهم موحدة.
١٢. صرح الرئيس التركي عبدالله غول في أواخر عام ٢٠١٢ بأن تركمان سورية جزء من الأمة التركية، في تجاهل متعمد لكونهم جزء من النسيج الإجتماعي السوري، ما يعد تأكيدا للمطامع التركية في سورية.
١٣. لن أتطرق للمشروع الإيراني للهيمنة على المنطقة العربية ولكنني أكتفي بذكر بعض المواد التي جاءت بدستور الجمهورية الإسلامية بأنها ثورة إسلامية عالمية، تدافع عن المستضعفين، وبالتالي تصديرها.
في الحلقة القادمة سنبدأ الحديث عن العوامل التي أدت إلى تحويل الصراع، ولكن قبل أن أختم اليوم لابد من التذكير بأن الفقرات التسع الأولى نقلت ببعض التصرف من كتاب الأديب والمفكر الأستاذ أسامة كامل أبو شقرا: “عودة إلى أسباب أحداث القرن التاسع عشر في جبل لبنان” الذي استقى معلوماته من ٢٣ مرجعاً عربياً وأجنبياً، فله جزيل الشكر والتقدير.