بقلم: تيماء الجيوش
لماذا لم يكن هناك مظاهرة نسوية واحدة حقيقية و بزخم في الأقطار العربية تدعو الى إيقاف جرائم الشرف ؟ الى احترام حقوق المرأة ؟
ازدادت حركة التظاهر ليس في العالم العربي و حسب بل و في العالم قاطبةً. و لعل ما يميز الأشهر الاولى من كل عام في السنوات الاخيرة هو تظاهرات النساء و التي تتوالى خلال كانون الثاني و شباط و أهمها في عيد المرأة العالمي في شهر آذار. و حق التظاهر هو حق دستوري و يُعدُّ من الحقوق الطبيعية للإنسان و هو ينبثق من الحقوق الاساسية المدنية و السياسية و على هذا فقد حرص القانون الدولي على ان حرية التعبير
هي من الحقوق الأصيلة . نصت المادة ١٨ من العهد الدولي لحقوق الإنسان (لكل شخص حق في حرية الفكر والضمير والدين) وبهذا فان حق التظاهر مُصان.Universal declaration of Human Rights.
و كذلك المادة ١٩ (International Covenant on Civil and Political Rights) من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية و التي نصت: (لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختاره).
و من قراءتهما فإن التظاهر هو حرية التعبير عن رأي و يتصل عادةً بالشأن العام و يجب بالمطلق ان يتفق و الأطر القانونية بمعنى ألا يكون عنيفاً او يُسبب الأذى او يُلحق الضرر او ان ينتج عنه فوضى او عنف تلحق بالأفراد او المجتمعات.
يخرج الأفراد للتظاهر لأسباب متعددة منها اقتصادية كتحسين الوضع المعاشي او الاعتراض على الفساد و الدفع باتجاه مزيدٍ من المسؤولية و المحاسبة إن لفردٍ معين بعينه او حزبٍ او حكومة او طبقة سياسية او نظامٍ سياسي بأكمله او الاعتراض على قانونٍ محدد قد يُلحق ضرراً اجتماعياً ، اقتصادياً بالغاً. و من الأسباب أيضاً المطالبة بالأمن أو المطالبة بالحريات السياسية او احترام حقوق الانسان او الديمقراطية و هذا ما شهدناه في سوريا و مصر و الجزائر و تونس و اليمن و لبنان و العراق على امتداد عقدٍ من الزمن في ظل موجةٍ من تغييرٍ سياسي اجتماعي في تاريخنا العربي الحديث و رفض البقاء على هامش الديمقراطية. لهن جميعاً ، لنساء العرب ممن دافعن عن الديمقراطية و التغيير تُرفع القبعات فهن يُمثلن الكرامة الانسانية و الرفض لكل ما هو قمعي و سلطوي.
و هذا ليس طارئاً على المرأة العربية، فقد شاركت المرأة العربية في التظاهر و مارست حقها فيه منذ أمدٍ بعيد ، أرادت ان يكون لها صوتاً مسموعاً و هكذا كان منذ مائة عام عندما خرجت ثلاثمائة امرأةٍ مصرية في شهر آذار من العام ١٩١٩ ليعبرنّ عن رأيهن و يطالبن بإيقاف القتل و تأييد الثورة و الاعتراض على نفي سعد زغلول و أولهن كانت هدى شعراوي كانت نتيجة تلك التظاهرة استشهاد العديد من السيدات المصريات. و كانت حقيقةً تلكم بداية الحركة النسوية العربية على يدي حزب الوفد المصري و السيدة صفية زغلول. تالياً و عبر العقود المختلفة تأرجحت مشاركة المرأة العربية ما بين التحولات و المتغيرات السياسية، الاقتصادية-الاجتماعية و الثقافية و جميعها كانت تتناوب جذباً و شداً في إقدام المرأة او إحجامها عن المعترك السياسي بالدرجة الاولى و حق التظاهر ثانياً .
لم تكن هناك شراكةً سياسية حقيقية للمرأة بل نستطيع ان نقول و برمزية أنه كان و لا يزال الى حدٍ كبير «زمن الكوتا» فليس هناك تعبير جوهري يعكس مطالب النساء من قبل النساء أنفسهن بل كان هناك وصاية تصل بظلها الى أيامنا الراهنة حيث شاركت المرأة العربية بقوة في الحراك السياسي قيمياً و ليس كمياً و هي تعلم أنها ربما تُقتل او تُسجن ، تُغتصب تُعذب او تُختطف و هذا ما حدث فعلاً بل كان مقصوداً تماماً ترويج نماذج او تصوير النساء خلال التظاهر و ما يواجهنه من عنفٍ موجه تجاه جنسهن كي يكون صادماً لوعي النساء عموماً و دفعهن لعدم التظاهر او المشاركة في المطالب السياسية. كان مقصوداً التعرض ببذاءة لأجسادهن و امتهانهن. و حتى اللحظة لم تستطع المرأة العربية الى القول هذه مطالبي الجذرية أنا كإمرأة ، هذه حقوقي و هذه رؤيتي لها . حتى اللحظة هناك ازدواجية سياسية و اجتماعية تواجهها النساء ،الصور النمطية للمرأة تسير و بشكلٍ موازٍ لحضورها القوي و الفاعل في التظاهر و المطالبة بالتغيير السياسي. ما يغذي الصورة النمطية و يرعاها و يُشكّل عاملاً جاذباً لزعزعة ما تحققه المرأة هو ثقافة ارتكزت الى عدم المساواة و رعاية التمييز. لا زال الوقت مبكراً للحديث عن معطيات حاسمة و نتائج نهائية مبلورة حول الحداثة و المرأة العربية و مشاركتها في المطالب عبر العقد المنصرم و ما يمكن ان تؤول اليه.
لكن السبب مرة اخرى هو من الوضوح بحيث لا يمكن الخطأ بشأنه، عدم المساواة أولاً و أخيراً.
كانت تعليقات ترامب المُهينة للنساء سبباً لاعتماد يوم ١٨ كانون الثاني من كل عام يوماً للتظاهر و الدعوة لاحترام حقوق المرأة.
و السؤال هو لماذا حتى هذه اللحظة ليس هناك من مظاهرة ضخمة تُنظم من نساء و رجال و احزاب و منظمات تدعو الى تجريم قتل المرأة في الأقطار العربية و إلغاء الأعذار القانونية تحت مظلة جرائم الشرف؟ نعلم انه كان هناك تظاهرات صغيرة محدودة و جاءت كردة فعل على جرائم الشرف وقعت و استفادت من التغطية الإعلامية كي تعلو بصوتها ثم خبت سريعاً بما تحتمه احترام شروط و خصوصية ثقافية. لكن الم يحن الوقت لإنهاء هذه الوصاية الثقافية و المرأة الظل؟ الم يحن الوقت كي تكون مثل هذه المظاهرات التي تدعو قولاً فصلاً الى احترام حقوق المرأة و إيقاف الجرائم بحقها ؟
اسبوع سعيد لكم جميعاً.