بقلم: إدوار ثابت
أما الموقع العربي فهو موقع ننظر فيه أحياناً وينظر فيه الكثيرون ، وهو الموسوعة العربية الحرة التي تعرف (بويكبيديا) ، فهناك عنوان رأيناه وقرأناه فإذا هو مثير وملفت للأنتباه معاً وهو : «تأثير كتاب كليلة ودمنة على الأدب العالمي» . تقول الموسوعة من غير أن ننقص منها أو نزيد عليها :
« كان للكتاب تأثير على عدد من الأعمال الأدبية العالمية ، فقد وجد الباحثون تشابهاً قوياً بين بعض حكايات كليلة ودمنة وخرافات أيسوب» وأنظر بدقة إلى العنوان وما كتب تحته : هذا شئ مضحك ومؤسف معاً ، فمن يقرأ هذا العنوان يترقب أن يرى هذا التأثير العالمي ولكن أنظر أولاً إلى جملة (وجد الباحثون) فهى قول عام لم يوضح من هم هؤلاء ، وأنظر قبلها إلى جملة (كان للكتاب تأثير على عدد من الأعمال الأدبية العالمية) فهي مثل سابقتها قول لم يبرز ما هو ذلك العدد من الأعمال العالمية ، ثم لو تنازلنا أو تغاضينا عن ذلك بل غضضنا الطرف عنه أو وضعناه جانباً ، فهناك الأكثر منه ضحكاً وتعجباً ولا يقل أسفاً عن ما سبقه ، فمن يقرأ ذلك ومن لم يعرف من هو أيسوب : سيعتقد أنه قد تأثر بكليلة ودمنة فأخذ أو أستوحي من أبن المقفع فبدا هذا التشابه القوي الذي تقول عنه الموسوعة بين حكاياته وحكايات أبن المقفع . ولكن أيسوب وأسمه هكذا بالفرنسية Esope وبالأغريقية ايسوبوس Aisôposكان عبداً ثم حرر من عبوديته ، وكان يتعثر في حديثه ، وكتب خرافاته أو حكاياته كما أحب أن أسميها في القرن السادس قبل الميلاد . «موسوعة روبير للإعلام 2007 ص706 وكان مغموراً إلى فترة كبيرة ، ثم شاعت حكاياته منذ القرن الخامس قبل الميلاد وتجددت شهرته بعد ذلك فكيف يكون أيسوب قد تأثر بكليلة ودمنة وهو قبل أبن المقفع الذي ترجم كتابه في القرن الثامن الميلادي بأربعة عشر قرناً !! أليس ذلك مضحكاً ومؤسفاً معاً ولكن هذا ما يحدث كثيراً في بعض الموسوعات العربية فالناس يقرؤون ويعتقدون تحيزاً أو يصدقون الأكاذيب ولن أقول هباءاً من أين أتيت بذلك ولكن من يريد أن يعرفه ويتأكد منه فلينظر إل ما كتبته هذه الموسوعة العربية ، وليبحث في (جوجل) وليكتب في لوحة المفاتيح العربية (كليلة ودمنة)، ويرى ما في (ويكبيديا في المحتويات تحت رقم 3.1 وليقرأ هذا العنوان « تأثيره على الأدب العالمي» ثم ليبحث بعد ذلك عن (أيسوب) في كل الموسوعات ، وكل المعاجم ، وكل كتب التاريخ ، وكل كتب الأعلام ، وما صدر عن الأدباء والمفكرين ، وعمن روى الحكايات أوالخرافات كما يسميها الكثيرون ليرى ويتأكد من هذا الخطأ وذلك الخلط . ولكن مع ذلك ، سنأذن لأنفسنا أن نأخذ بهذا المبدأ الذي كتبت به الموسوعة ذلك خطأ فقلبت ميزان التاريخ ، وجعلت الأقدم يتأثر بالأحدث ، ورأت أن من عاصر القرن السادس قبل الميلادوهو أيسوب يتأثر بمن عاصر القرن الثامن بعد الميلاد وهو أبن المقفع ويأخذ عنه فنقول ما قد أوشكنا أن لا نشك فيه : لمَ لا يكون أبن المقفع هو الذي تأثر بأيسوب أو أستوحى منه ، ولو نظرنا إلى ابعد ، فما الغريب في أن يكون الحكيم الهندي بيدبا أو بيلباي نفسه الذي ترجم أبن المقفع ترجمته والذي يعتبر الأصل في هذه الحكايات هو الذي تأثر بأيسوب أو ما أستوحى منه « البانشاتنترا مؤلف كتبه بيلباي الهندي بين القرن الأول والقرن السادس – موسوعة روبير 2007 ص 1630 « فيكون الأصل في هذه الحكايات هو أيسوب وليس الحكيم الهندي على عكس ما تقول أغلب المصادر والكتب التي تؤرخ لذلك . وهذا أمر لا نشك فيه حتى ولو أختلفت أشكال الحكايات التي يروى بها هؤلاء الكتاب موضوعاتهم سواء أختلفت معها ما تتضمنها أو تشابهت مع الوضع في الحسبان أمكانية المؤلف على قراءة أعمال من سبقوه والإطلاع عليها في لغتهم ، أو ما ترجم عنهم إلى لغته الأصلية ، ولاسيما أن (لافونتين) قد أوضح في أكثر من موضع في مؤلفه أنه تأثر باطلاعه على حكايات أيسوب ، وهذا ما سنوضحه بالتفصيل بعد قليل . ولنرجع ثانية إلى ما كتبته الموسوعة العربية (ويكبيديا) خطأ عن هذا العنوان الملفت للأنتباه ، وهو تأثير كتاب كليلة ودمنة على الأدب العالمي مع أننا لن نزيد كثيراً عما أكدناه أو أوضحناه ، ولكن لابد من الرجوع إليه . فلا تكتفي الموسوعة بما بها فتقول بعده : كما أقر كاتب القصص الخرافية الفرنسي (جان دولافونتين) بأن أعماله مستوحاه من هذا الكتاب .. فياللهول .. ولفظة التعجب هذه من عندي .. حيث ذكر في مقدمة كتابه الثاني الخاص بالقصص الخرافية « هذا هو الكتاب الثاني من الخرافات الذي أقدمه للجمهور (ثم ثلاث نقاط … هكذا ، يفهم منها أن ما بعدها فقرة تليها أو لاترتبط بها ، ولكنها تخدع من يقرأ في أن بينها وبين ما قبلها علاقة) وبعد الثلاث نقاط تكمل .. لا بد أن أعترف بأن الجزء الأكبر منه مستوحى من كتاب الحكيم الهندي بيلباي . فما هذا ؟! وأين ما أقره لافونتين في أن أعماله مستوحاة من كتاب كليلة ودمنة ، فأنظر معي بدقة إلى هذا التضارب وذلك الخلط ونحن نكرره لهذه الدقة . تقول : أقر الكاتب أن أعماله مستوحاة من هذا الكتاب أي كليلة ودمنة ، ثم تكمل حيث ذكر في مقدمة كتابه الثاني الخاص بالقصص الخرافية :»هذا هو الكتاب الثاني من الخرافات الذي أقدمه للجمهور لابد أن أعترف بأن الجزء الأكبر منه مستوحى من كتاب الحكيم الهندي بيلباي « أي ليس من كليلة ودمنة فأي تضارب نراه ، وأي خلط هذا الذي نلحظه ؟!
والحق أن هاتين الجملتين ، أو هذه الجمل الثلاث ليست بينهم أية رابطة ، أما الأولى ، فلم يقر لافونتين نفسه أقراراً كهذا بأن أعماله مستوحاة من كتاب كليلة ودمنة في أي مكان في مؤلفه ، . فذلك خداع واضح من ناحية وخطأ في المكان من ناحية ثانية . فهو خداع واضح لأنه يوضع على الكاتب ما لم يقره وما لم يقوله ، وهو خطأ في المكان لأن الموسوعة تخلط في اللغة الفرنسية بين الفاظ الكتاب Le livre والمجلد Recueil أو الجزء فمؤلف لافونتينFables يشمل ثلاثة مجلدات أو أجزاء المجلد الأول يحوي ستة كتب من الأول إلى السادس ، والمجلد الثاني يحوي خمسة كتب من الكتاب السابع إلى الحادي عشر ، والثالث يشمل الكتاب الثاني عشر فقط ، وكل كتاب في هذه المجلدات يتضمن عدداً من الحكايات بين العشرين والخمس وعشرين حكاية ، وفي بعضها أقل أو أكثر من ذلك ، فما تقوله الموسوعة في مقدمة كتابه الثاني هو في المجلد الثاني وليس في الكتاب لأن التقديم يضعه الكاتب في بداية كل مجلد أو جزء أما الكتب فليس بها أي تقديم . والحكايات تتسلسل فيها متتابعة وكل تقديم يقدمه أو يهديه إلى شخصية من الشخصيات الهامة في ذلك العصر فالمجلد الأول أهدى مقدمته إلى دوفان الذي كان لقباً لولي العهد في فرنسا وهو أبن الملك لويس الرابع عشر والمجلد الثاني أهداه إلى مدام دو مونتسبان التي أخذت من زوجها لقب ماركيز وقد شغلت مكاناً مرموقاً في البلاط الملكي الفرنسي والمجلد الثالث أهدى مقدمته إلى الدوق دوبورجوني وهي مقاطعة قديمة في فرنسا وهذا الدوق أبن دوفان وحفيد الملك لويس الرابع عشر . ونحن لا نرى هذا الأقرار لا في الكتاب الثاني ، ولا في أي كتاب أو مجلد من مجلداته الثلاثة . أما الجملتان اللتان بعدها واللتان تفصل بينهما هذه النقاط الثلاث ، فقد أوضحنا ما بهما من قبل وقلنا أن الكاتب يقول في مقدمة مجلده الثاني وتحت عنوان تحذير أو تنبيهAvertissement « هذا هو مجلد ثان من الحكايات أقدمه للجمهور» وقد أوضحنا ذلك من قبل» Voici un second recueil de fables que je presente au public وقبل نهاية التقديم يقول كما أوضحنا وهو : فقط سوف أقول بالعرفان ادين بالجزء الأكبر منه لبلباي الحكيم الهندي أي ليس لكليلة ودمنة أو أبن المقفع . Seulement, je dirai par reconnaissance que j’en dois la plus grande partie à Pilpay, sage indien.وهذا خطأ قليل فعلاً في الترجمة في الجملة الأولى ، فليس شنيعاً رغم عدم دقة الخلط بين لفظتي المجلد والكتاب ، أما في الجملة التالية ، فلو دققنا فيها سنرى أولاً خلطاً واضحاً وإحساسا مختلفاً ثانياً فالخلط فيها بين كليلة ودمنة والكتاب الهندي والأحساس فيها يبدو من مقطع (مستوحى من الكتاب الهندي) لأن الكاتب لم يقل (مستوحى) وإنما يقول (يدين بالعرفان) وهناك فرق بين الأثنين فأستوحى بها تخصيص أما العرفان فقد يكون في الإطلاع أو البحث أو غيرهما . كما أن (منه) هذه قد تخدع من يقرأ فيفهم منها أن الكاتب يقول من كتاب كليلة ودمنة ، ولكنه في الحق يقول من الحكيم الهندي . ومن المؤسف وما يدعو إلى السخرية أن هذا الخلط وذلك اللغو نراهما كما رأيناهما من قبل في الموسوعة العربية (ويكبيديا) نراهما في جوجل – «جان دولافونتين وتحت عنوان رقم 2- أعمال لافونتين» ، فإذا فقرة بها تضارب وأضطراب ، وإذا جمل كسابقاتها ليس بها تنظيم ولا دقة تضل من يقرأ عن معرفة الحقيقة ، وتبرز أختلافاً بين ما هو موضوع باللغة العربية ، وما هو مترجم إلى الفرنسية .أما في بحثنا عن كل هذا في الموسوعة (ويكيبديا باللغتين الفرنسية والانجليزية فلم نرَ هذا الخلط المتحيز ولا في ذلك اللغو الذين رأيناهما في الموسوعة العربية فلم نستغرب ولم ندهش). وما لانشك فيه فيما رأيناه في هذه الموسوعة هو واحدة من كثير أو كلها معاً ، إما تحيز ممن كتب ذلك باللغة العربية ، وإما عن ضعف ممن ترجمه إلى الفرنسية وهذا ما لا نؤيده لأنه لابد وأن يكون على دراية بها ، أو بعد هذين الأمرين أستهانته بمن يقرأ اللغة العربية في عدم قدرته قراءة وفهم ما هو بالفرنسية ، وعجزه عن معرفة الحقيقة أو عدم ادراكها ، ثم رؤيته أن الكثيرين يقرؤؤن ويتصفحون وليفهموا ما يفهمون .
البقية في العدد القادم