بقلم: عادل عطية
كان لي صديق من الصعيد العميق، وكان كلما همّ بتحيًتي، أخاله يقول لي: “صعيدة”، بدلاً من “سعيدة”!
دعاني، يوماً، إلى حفل زفاف احدى قريباته بقريته الصغيرة البعيدة، التي قد تسمع عنها، ولكنك لا تراها على الخريطة!
كان العريس جالساً مرفوع الرأس، قائم الجسم، يضع يديه على ركبتيه، ويفرد أصابعه، ويحاول ـ جاهداً ـ ألا يبتسم، كأنه أسد من اسود كوبري قصر النيل، ولكن برأس جزار، ينتظر الوقت ليذبح لعروسه القطة، سيئة الحظ!
أما العروس، فقد كانت جالسة بجوار عريسها، تدير وجهها بعيداً عنه، وتكشيرتها من نوع: “البوز ذو الشبرين”!
في البداية..
ظننت ان هذه الليلة، ليست الليلة التي ينتظرها العريس، ويعتبرها ليلة أحلامه السعيدة!
وأن هذه الليلة، ليست الليلة التي تنتظرها العروس، وتعتبرها أسعد ليلة في عمرها!
أو: أن العروس لا تريد هذا الزوج، وهذا الزواج!
أو: هي تمارس التقية، فتجعل التكشيرة، بديلاً من القول: “اللهم أجعله خيراً”!
وعندما نظرت إلى مضيفي، قال لي ـ وقد فهم ما يدور في عقلي ـ: هي تحب عريسها كثيراً جداً!
ولأنه رأى ان حيرتي زادت، شرح لي الأمر، قائلاً:
العروس تفعل ذلك..
حتى تثبت للناس: انها ما زالت تحب والديها من كل قلبها، وأنها لا تنكر جميلهما، ولا تنسى معروفهما، وأنها تُقدّر محبتهما، والبيت الذي عاشت فيه كل أيام عذريتها!
وان تقول للجميع: انها ليست بعاشقة؛ ففي عرف قريتنا: “العشق ملعون”!
وتساءلت..
ألأجل العادات والتقاليد، يتجهّم العريس، وكأنه من العيب عليه أن يبتسم، وإلى يمينه عروسته!
أم: أنه يظن نفسه جالساً على كرسي الاعتراف، بدلاً من كرسي الزواج، وانه يعترف باقترافه خطيئة ممارسة الزواج!
ولأجل العادات والتقاليد، يتحوّل يوم الفرح عند العروس إلى تكشيرة، وإلى بكاء ودموع غزيرة!
ولأجل العادات والتقاليد، تتحوّل اسعد ليلة في حياة العروسين إلى موقع تصوير، يصوّران فيه مشاهد مأساوية، في فيلم اسمه: “الخوف من كلام الناس”؟!
لقد صدق مَثَلي ـ الذي لم يتجوّل بعد بين الناس ـ، والقائل: “كل تكشيرة، فيها حيرة”! …