بقلم: سونيا الحداد
شرح الفيلسوف الإغريقي أفلاطون، ٣٦٠ق.م في كتابه عن اسطورة أطلانتيس التي تواجدت ٩٠٠٠ سنة قبل عصرنا، بغية التحدث عن طبيعة الانسان الأناني الجاهل الذي ضربه الغرور وحب العظمة يوم حصل على المعرفة والقوة، واعتبر نفسه انه ابن الاله او بالأحرى هو ممثل الإله دون منازع له فدمر نفسه وعالمه، واندثرت اجمل الحضارات التي تحلت يومها بتطور حضاري ولوجستي لم يصل اليهما احد من بعدها! أراد من خلال أسطورته هذه ان يحذر من مغبة وضع المعرفة (وهي القوة الاعظم) في يد الجاهل لأنها ستتحول الى لعنة تحل عليه، على محيطه وعلى العالم بأكمله… إنها هي أيضا مثلها مثل أي شيء في هذا الكون اللانهائي تحمل الوجهان الإيجابي والسلبي معا في كيفية استعمالها يوم الحصول عليها…
اعطانا التاريخ المثل الحي ومازال الى يومنا هذا، بان الانسان لا يتغير. أمر عرفه حكماء الماضي عبر التاريخ لذلك بنوا مؤسسات ومدارس سرية لا يدخلها سوى من تأهل لها، يتبادلون فيها المعرفة وأسرارها التي كانوا يضحون بأنفسهم من أجل عدم انتشارها في الخارج حفاظا على الجنس البشري من طغيان الجهلاء وجبروتهم، لكن اليوم لم يعد هذا الأمر تحت السيطرة أبدا. تطورت الحياة كثيرا وتحررت المجتمعات في جزء كبير من الكرة الأرضية ومعها أصبحت المعرفة واجب لا بل حق مقدس يسعى اليه الجميع منذ الصغر تحت رعاية الدولة التي تهدف الى إنشاء مجتمع متعلم ومسؤول. إنه حلم جميل أكيد يا ليته يتحقق ولكن الحقيقة لا تحمل هذا الوجه البراق ابدا… تطورت الفضائيات والتغت الحدود الأرضية والفكرية وفتحت الأبواب على مصراعيها وباتت المعرفة بيد الأشرار والعقلاء سواء والعالم بات بخطر محتم. خطر لا يقوم على من ينتصر بل على من يبقى.
المعرفة تُنحر على يد من لا معرفة ولا دين لهم. شوه وجهها وهي النور الذي يتربع في أعماق الروح يتغذى من حكمتها ويرتقي بها. أين العالم منها الآن وهو يغرق يوما بعد يوم في التعصب العرقي والديني والإجتماعي. يتسابق للتسلح واقتناء كل ما يدمر الحياة وكل ما توصل اليه الإنسان من اكتشافات وإنجازات دفع ثمنها غاليا جدا. عالم يعيش على قتل واستغلال الأبرياء باطشا بهم بطش إله مرعب لا يقلقه عويل الأطفال ولا يرويه كم الدماء! يتسابق ويتباهى بمعرفته وقوته وجبروته والأرض والسماء تبكيان …
هل ستتكرر مأساة أطلانتيس؟ هل سيبقى من يخبّر عن انتحار المعرفة يوما؟