بقلم : خالد بنيصغي
بين الأمس واليوم مسافة طويلة بالخطوات في دنيا الآمال والأحلام ، والمساحة التي عليها أَرْضُنا كانت ولا تزال كافية لتحقيق المشاريع الممكنة ، خطى مشيناها لسنوات طوال لكنها مرت كالبرق الخاطف ، هو ذا حال الدنيا تسبق خطواتنا دائما، وعندما أتصفح رسوماتنا كلها أنظر إلى نفسي وإليك بعيْن الرضا والتفاؤل والجمال ، وأشكر الله عز وجل على الحظ الرائع الذي منَّ به علينا في هذه الحياة ، وقد جمعنا على الود والخير والمحبة ، وهو القادر أن يجمعنا إلى الأبد في الدنيا والآخرة بكرمه وجوده ورحمته .
صحيح أن الأيام تَتَابَعَتْ لكنها لم تتشابه ، بل تلونت في أحايين كثيرة بألوان قوس قزح الجميلة ، كنا سُعداء ومُنْتَفِين ، مَسْرورون بالمستقبل الحالم ، ونحن نُقَوِّمُ أنفسنا لتستقيم لله عز وجل ، كان ولا زال رائعاً أن نتبادل النُّصْحَ بيْننا بالكتاب والسُّنَّة ، ونمشي بصبر وثبات إلى ما يرضي الله عز وجل .
واليوم تستنير الطريق أكثر وأنت تستعدين عزيزتي لطَيِّ المسافات لتكتبي على رأس الصفحة الأولى “ سعادتك الكبرى بتلبية دعوة إبراهيم عليه السلام“ قال تعالى “ وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق “.
إنه الأذان الرباني الذي أمر الله به خليله إبراهيم – عليه السلام – أن يرفعه من على صخرة في رحاب الحرم ، ليتردد صداه في الأرجاء ، وليبقى على مرّ العصور والأيام ، لتشربه القلوب ، ويتغلغل في النفوس ، فما زالت تسمعه الآذان وتستجيب له الأفئدة قبل الأجسام ، وها أنتِ وقد أطل هلال الأشهر الحرم تتأهبين لتلبية هذا النداء الرباني الصادح بالحق ، فلا حبُّ الأوطان يصدك ، ولا فراق الأهل والولد والأحباب يثبط من عزيمتك ، لأن محبة الله في قلبك أكبر من كل حب من سواه .
هو تطواف حول مشاعر مقدسة ، وهرولة في وادٍ صغير بين جبلين ، ووقوف بمكان من أول النهار إلى مغيب الشمس ورمي بالحصى …. كل ذلك هبة من الله جل جلاله إليك عزيزتي ، فالحمد والشكر لله أنعم عليك بخير الدنيا والآخرة ، فبالحج يكسب العبد الحسنات ، وترفع به الدرجات وينال من الله كريم المثوبات ، ويحصل به الصفح عن الزلات ، فتتجلى في هذه الأعمال قمة الطاعة الخالصة لله تعالى .
قلوب معلقة بالله ترجو رحمته وتخاف عذابه ، ألسنة لاهجة بذكره سبحانه لا تفتر ولا تسأم من ترداده ، أجساد أضناها التعب والسفر ، إلا أنها لا تشعر به لأنها متوجهة لله سبحانه ، ترفعت النفوس عن كل متاع الدنيا الزائل ، فلا يسهو العقل عن مراقبة الله عز وجل ، ولا يجرؤ المسلم على ارتكاب حرماته، فتطأطأَ البصر حياءً وعفَّ اللسانُ وراح يسبح لله ثناء ، وانقبضت اليدان عن الإيذاء ، وانبسطت جوداً وإحساناً.
وإذ نغبطك بكل سرور وود راجين من الله عز وجل أن يعينك ويتقبل منك مناسك الحج ، فإننا نقلدك الدعاء الصالح لنا جميعا في حياتنا الدنيا والآخرة إن الله مجيب الدعاء ، فاسعدي عزيزتي بهذا العطاء الرباني الرائع ، وابتهجي باختيار المولى عز وجل لك من بين عباده كي تكوني ممن لبى النداء ، وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر . فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “ من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه “. تحجين عزيزتي بكل سلامة وتعودين بكل نور وبهاء إن شاء الله تعالى .. حج مبرور وسعي مشكور .