بقلم: سناء سراج
هناك في الساحة الكبيرة المحيطة بالمسلة أو الشعلة الرابضة أمام الباب الرئيسي لجامعة القاهرة التي تبرعت بأرضها الشاسعة (في منطقة بين السرايات بمحافظة الجيزة ) ومجوهراتها الأميرة فاطمة إسماعيل ابنة الخديوي إسماعيل رحمهم الله، ومدون عليها شعارات لأبرز وأهم كليات الجامعة العتيقة تلك الشعلة المصنوعة من الجرانيت الذي يميل إلى اللون القرمزي الداكن وتكاد هاماتها تطال هامات شيئين عظيمين يقفا بشموخ تحضنهم السماء و ترافقهم السحب والشهب هما برج ساعة جامعة القاهرة ثان أشهر ساعة على مستوى العالم بعد ساعة بج بن الشهيرة، حيث كنا دائما نسمع دقات أجراسها صباحا في الإذاعة أيام أن كانت رفيقتنا قبل أن تندثر في زحام الستالايت والفضائيات وغزو وسائل التواصل الاجتماعي، والقامة الثانية التي تقف شامخة وشاهدة على العصر ومرور الأيام وتعاقب السنين انها القبة الخضراء المستديرة التي تتلألأ كالشهب والنجوم شاهدة على العصر ومرور السنوات.. وسط هذا المنظر الخلاب والسحب ترسم لوحة ربانية في السماء مختلفة الألوان ممتزجة البياض الناصع والأزرق الفاتح وقامت النخل الممشوق يتلاقى كل هذا مع القبة وبرج الساعة وكلما ابتعدت اكتملت الصورة وتجملت أكثر بتلك الدخان البسيط المتصاعد من العربة الصغيرة المليئة بأنواع التسالي المختلفة من اللب والسوداني ذات الرائحة الفواحة والذي يتصاعد منه الدخان البسيط في وسط الساحة المحيطة بالمسلة أو الشعلة كما يطلبون عليها ويقف عم مصطفى ساعة العصاري يبيع للمارة وربما في الزحام العقلي والبشر لا تلف نظرك تلك العربة الصغيرة وكل ما يجذبك رائحة الدخان والسودان في ساعات الشتاء الباردة.. اقتربت من عم مصطفى الذي يرتدي الجلباب والعمة وهو زي أصيل يتسم به المنتمون للريف ويعتبره جزء من هويتهم واصلاتهم وشدني وقوفه بالساعات على العربة مبتسم لا شاكيا ولا باكيا راضي بحاله ورزقه على الله اقتربت منه لاشتري منه السوداني الساخن واتجاذب معه أطراف الحديث.
السلام عليكم ياعم… قال لي مصطفى، قلتله هات ب خمسة جنيه سوداني بس يكون سخن أعطاني كيس ورقي صغير تقريبا نصفه فارغ ولكن لا بأس وكان يتمتع بوجه بشوش ذات بشرة بيضاء تميل إلى الاحمرار الرباني وعيون ملونه تميل إلى اللون الأخضر وشارب خفيف وسألته عن عمره الذي اقترب من الستين عاما ولكن قسمات وجهه لا توحي بهذا السن وسألته انت واقف هنا بقالك كتير قال لي خمس سنين كنت مسافر.. لفيت كتير ليبيا والسعودية كنت شغال مبيض محارة قعدت ثلاثين عام صحيح تعبت اول خمس سنين لحد ما اتعلمت (واتودكت) وبعدها بقيت اخد مقاولة لوحدي واقوم بالشغل لحسابي وعرفت اعمل فلوس واعيش انا واسرتي، اخدتهم معاك.. لا بس كنت بنزل كل سنة اجازة، شهر اقضيه معاهم في الصعيد قلتله محافظة ايه قال لي سوهاج عندك ولاد ايوة 3 صبيان وبنتان، متعلمين ايوه البنات لاعدادي والصبيان تعليم متوسط واشتغلوا زيي في صنعة المحاضرة علشان يعرفوا يفتحوا بيوت ويربو عيال، ليه مسافروش معاك مرضيوش وفضلوا يشتغلوا هنا عندك أحفاد ايوة أكبرهم في اعدادي ماشاء الله مش باين عليك ضحك وقلي اصلي اتجوزت صغير وانا عندي عشرين سنة. ليه اخترت تقف هنا عند الجامعة مشتغلتش ليه في سوهاج جمب أسرتك بعد غربة سنين هو مفيش حد هناك بيشتري لب ضحك وقال لي اصل انا من سن 12 سنة وانا كنت بقف هنا عند الباب الصغير دا جمب النخله قبل ما اسافر وسبت العربية دي عند ابن عمي اللي فاتح كشك عند كلية الهندسة احنا لينا بيت في صفط اللبن ولما رجعت خدتها ووقفت هنا، قلتله ورجعت ليه قال لي السعودية مبقتش زي الاول ولا الفلوس بقت زي زمان فرجعت.
انت نموذج كويس المفروض الشباب يقتدوا بك ويتعلموا منك انت تقف بالساعات على تلك العربيه الصغيرة لتقتات رزقك ليت شبابنا يتعلم منك الصبر وقوة التحمل للوصول إلى أهدافهم بصبر وجلد، بارك الله فيك ياعم مصطفى وبأمثالك وكانت هذه..
حكاية دخان في ساحة الأميرة.